"غادة كرمى طبيبة وأكاديمية فلسطينية ولدت فى القدس سنة 1939 وهجرت وأسرتها إلى لندن فى 1948 إبان النكبة. حصلت على شهادة الطب من جامعة بريستول عام 1964 وبدأت نشاطها السياسى فى 1972 من أجل القضية الفلسطينية، فأسست عدداً من الجمعيات الخيرية والدعوية لنصرة الحق الفلسطينى ودعم اللاجئين الفلسطينيين فى المخيمات.
زارت مسقط رأسها للمرة الأولى بعد التهجير سنة 1991 ثم تكررت زياراتها بحثاً عن منزل أسرتها القديم. سجلت قصة حياتها فى القدس قبل التهجير ورحلة الشتات إبان النكبة فى كتابها "البحث عن فاطمة" صدر عام 2002 باللغة الإنجليزية.
تعيش حالياً فى لندن وتعمل محاضرة فى المؤسسة الملكية للعلاقات الدولية بلندن ومدرس زائر فى جامعة لندن متروبوليتان. صدر لها مؤخراً كتاب "متزوج من امرأة أخرى" باللغة الإنجليزية وهو كتاب سياسى يناقش خلفيات وتاريخ الوضع فى الفلسطين ويروج لحل الدولة الواحدة الذى تدعو له كرمى. التقيت بها فى القاهرة أثناء زيارة قصيرة مؤخراً.
أنت واحدة ضمن قلة من المؤيدين لحل الدولة الواحدة على الرغم من أن الكثيرين يصفونه بالخيالى؟
دولة إسرائيل لم تسبب إلا الدمار والضرر للمنطقة العربية وليس فقط لفلسطين والفلسطينيين. ولا يمكن لمثل هذه الدولة أن تكون مستقرة أبداً. حل الدولة الواحدة هو الوحيد القادر على القضاء على دولة إسرائيل العنصرية لأنه سوف يمنح حق المواطنة للجميع من دون تمييز على أساس الدين أو الأصل العرقى.
وما أهم ملامح هذه الدولة من رأيك؟
كما ذكرت ستكون دولة مبنية على عدم التمييز يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون كمواطنين ولا يلعب الدين أى دور فى الفصل بين مواطنيها. إذا تحقق هذا الحلم سيكون من أول أولوياته عودة اللاجئين الأجداد والأبناء والأحفاد المحرومين من العودة وكأن وضعهم كلاجئين فى الشتات صار مقبولاً للجميع.
وما السبيل لتحقيق مثل هذه الدولة فى رأيك؟
فى البداية ينبغى الاتفاق على أن هذا هو الحل الوحيد وينبغى أن يتم الترويج له على أوسع نطاق ممكن وأن يكون له أنصار فى الداخل والخارج. ثم نأتى بعد هذه المرحلة لوضع تصورات حول كيفية تنفيذه. فى البداية تأتى الفكرة ثم تأتى آليات التنفيذ. دولة إسرائيل لم تكن سوى فكرة فى رؤوس عدة أشخاص لا يتجاوز عددهم اليد الواحدة، لكنها تحققت بالفعل وظلت لأن أصحاب الفكرة تمكنوا من الترويج لها وكسب دول بأكملها على أرضية الفكرة. هل كان هناك من يتصور أن تنتهى دولة جنوب أفريقيا إلى ما انتهت إليه الآن.
وماذا سيكون اسم هذه الدولة؟
فليكن ما يكون "إنشالله خيارة". جوهر الموضوع هو إلغاء دولة إسرائيل ككيان صهيونى. هذه الفكرة ليست جديدة بل إن بعض الزعماء العرب يتبنونها، ومع ذلك فإن كل استطلاعات الرأى التى تمت على الجانبين سواء فى فلسطين أو إسرائيل أظهرت رفض هذا الحل. استطلاعات الرأى أغلبها كانت منصبة على رأى الناس فى حل الدولتين وهو فى رأيى ليس حلاً على الإطلاق لأنه يكرس الوضع الراهن. المسألة لا تقاس باستطلاعات الرأى بل بالتوعية، يجب أن يكون هناك دعوة منظمة لهذا الحل لإقناع الناس به أولاً ثم سؤالهم عن رأيهم فيه.
وهل الحكومات العربية من ضمن المستهدفين؟
بالطبع، وأنا أتكلم بالتحديد عن مصر لأن ما تحملته مصر بسبب إسرائيل والمعاناة من وجودها التى مازالت مستمرة حتى الآن تضع مصر من ضمن الدول التى ينبغى أن تكون فى الصف الأول للمطالبة بإزالة دولة إسرائيل.
لكن الموقف الرسمى المصرى كما هو موقف دول عربية أخرى الالتزام بمعاهدات السلام ودعم حل الدولتين؟
كل اتفاقيات السلام التى عملها العرب حتى الآن عمرها ما أثرت على تصرفات إسرائيل. لأن دولة إسرائيل مبنية على فكرة دولة استيطانية استعمارية. إسرائيل مش صديق والرد تجاههم هو عدم التفاهم معهم لأنهم مش أصدقاء.
لكن هناك جماعات تدعو للسلام وللتطبيع مع إسرائيل بعضها إسرائيلية؟
هذا "حكى فاضى". إذا أقمنا علاقات مع إسرائيليين فسيكنون لطفاء جداً لكن هذا لن يغير شيئاً من الواقع لأن القهر سوف يزداد. والتطبيعيون لا يفهمون ما هى إسرائيل لأن إسرائيل دولة غير طبيعية إنها مبنية على مبدأ نهب واستعمار، وهذا المبدأ ينتج شعب له تفكير معين. فمناهج التعليم الإسرائيلية تعطيهم فكرة مشوهة عن العرب وتعلمهم كراهية واحتقار العربى. الشاب هناك فى إسرائيل يدخل الجيش من سن 18 سنة. هذا شعب معسكر.
إذن أنت من أنصار استخدام العنف؟
بالطبع لا أنا ضد أن يقتل الشعب ولكننى مع القضاء على السلطة الصهيونية بأى طريقة ممكنة. وأن يحل محلها سلطة ديمقراطية معبرة عن كافة أفراد الشعب دون تمييز تحكم فى ظل دولة واحدة.
وما رأيك فى العمليات التفجيرية التى تنفذها حماس وغيرها من الجماعات التى توصف بالمقاومة، وبعضها يستهدف مدنيين؟
أحزاب مثل حماس وحزب الله فعالان جداً. فحزب الله هو القوة الوحيدة التى أخرجت إسرائيل من لبنان. لأن الثمن الذى دفعته إسرائيل فى لبنان أصبح باهظاً وإسرائيل تحب الاحتلال السهل، فاحتلال الجولان سهل وهو ما لم يحدث فى لبنان. ومن قتل من الإسرائيليين فى لبنان أكبر من المعلن عنه بكثير. هذا غير حركات مناهضة الحرب التى صدعت رأس النظام الإسرائيلى. كل هذا نتيجة الكفاح المسلح. فحزب الله أعطى نموذجاً للعمل يجب أن نتعلم دروساً منه.
تقولين هذا على الرغم مما يحدث الآن فى لبنان على يد حزب الله وفى غزة على يد حماس؟
أنا ضد التعامل مع النتائج وتجاهل الأسباب التى أدت إليها، وهناك علاقات معقدة فى هذا الجانب، لكن لا ينكر أحد أن حماس لها شعبية كبيرة بسبب موقفها العملى من الاحتلال الإسرائيلى، وإصرارها على الحق الفلسطينى ولا ينبغى تجاهل الظروف المحيطة بهذه الجماعات. ولا ينبغى أن ننسى أن الطريقة التى جربتها منظمة التحرير والحكومات العربية لم تنجح فكان الطبيعى أن الناس تعتقد أن هذا النهج غلط. وبشكل عام أنا أؤيد الكفاح من كل أنواعه وهناك أشكال مختلفة من الكفاح.
لكن جماعات المقاومة أغلبها دينى وهم من ناحية من أشد الرافضين لحل الدولة الواحدة، ومن ناحية أخرى يرون أن الصراع صراع دينى. فهل أنت متفقة مع هذا الطرح؟
أنا ضد الحركات الإسلامية وضد الحل الدينى. لأن أى محاولة لتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع دينى هدفها التغطية على الواقع لأنه صراع أرضى وليس فى السماء.
أنت معروفة بكتاباتك المؤيدة للحق الفلسطينى بوصفك أحد المروجين لحل الدولة الواحدة.. فهل هذا هو الطريق الذى اخترته للكفاح؟
"شوفى. الناس اللى تحت الاحتلال لهم دور والناس اللى بيدعموهم لهم دور ثانى". وأنا لم أتوقف لحظة عن دعم القضية الفلسطينية منذ السبعينيات. فأسست منظمة إعلامية للقضية الفلسطينية فى بداية السبعينات اسمها "PL Action" وجمعية أخرى طبية فى الوقت نفسه باسم "P.M. Aid" وعملت نشاطا كبيرا خلال تلك الفترة. وكنا نذهب إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان ونقدم لهم الدعم. كما كنا نشرح للغرب مأساة الشعب الفلسطينى.
أعلم أنك ناشطة فى جمعية للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل فلماذا أنت من أنصار المقاطعة؟
أنا بالفعل ناشطة فى جمعية لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية. وحركة المقاطعة مهمة جداً وأهم شئ أنه عمل سلمى لا عنفى ممكن الناس تقوم به بدون عنف. حركة مجتمع مدنى يعبر عن رفضه للاحتلال. وأنا مع المقاطعة على كل مستوى. مقاطعة كل شئ اسمه إسرائيل.
لكن أليست هناك ضرورة للتواصل مع إسرائيليين لإقناعهم بحل الدولة الواحدة الذى ذكرتى أنه ضرورى قبل التفكير فى آليات تنفيذه؟
"أنا بودى أن تصل بالوضع فى إسرائيل مثل ما حدث فى جنوب أفريقيا" نحول إسرائيل إلى دولة معزولة عزلة تامة لأن إسرائيل تتاجر ليس فقط على سلاحها وجيشها القوى لكن أيضاً أى بسمعتها وصيتها فى العالم الغربى. الرأى العام الغربى مؤثر جداً على إسرائيل لو استطعنا أن نظهر أنه لا يمكن التعايش معهم سيتحولون إلى منبوذين، وهذا هو هدفى.
حدثينا عن زيارتك الأولى للقدس بعد سنوات طويلة من التهجير؟
أول زيارة لى للقدس كانت سنة 1991 مضيت هناك أسبوعين تجولت فى البلاد من "فوق لتحت" وكان من بين أهداف الزيارة أن أجد بيتى فى القدس، ولم أنجح فشعرت بتعاسة واكتئاب. فكل شئ فى هذه البلاد شعرت أنه كريه. الناس أغراب ليس لهم مكان هنا، وآلمتنى عبارة "أهلاً بكم فى إسرائيل" على لافتة فى المطار، حتى الأحرف العبرية قبيحة و"مقرفة". فى يافا البيوت القديمة العربية حولوها إلى مجمع فنى للفنانين والرسامين تأثرت كثيراً من هذا المنظر. طبرية بلد فقير وهناك وجدت جامعا مهملا محاطا بسياج ويلقون فيه القمامة. أينما ذهبت أجد شيئاً مؤلماً.
هل كانت هذه هى الزيارة الأولى والأخيرة؟
لا. بعدها ذهبت عدة مرات حتى وجدت بيتنا القديم. أختى وأخى رسما لى الخرائط ووجدته فى عام 1998 تسكن فيه عائلة يهودية متدينة من أصل كندى. عندما دخلت وجدت أن الشرفة الخارجية مازالت كما هى منذ طفولتى لكنهم بنوا طابقا جديدا وغيروا شكل الحديقة. لكن الباب الأصلى للمنزل كان كما هو لم يتغير. والبلاط فى الداخل كان هو هو لم يتغير.
وكيف كان رد فعل سكان المنزل على زيارتك؟
فى البداية أخبرت السيدة بأننى كنت أسكن هنا من زمان وأننى أرغب فى الدخول ورؤية كل قطعة من البيت فسمحت لى بالدخول على مضض ثم تحدثت إلى زوجها فى الهاتف ثم طلبت منى الرحيل وقالت "لا دخل لى بهذه الأمور". كنت أريد أن أتذكر كيف كانت غرفتنا وغرفة أمى وأبى. لكننى لم أستطع فشعرت كم نحن مهزومون وأنه ليس هناك أمل. لكن بعد عودتى إلى الفندق وكان قريبا من المسجد الأقصى تسلل إلى أذنى صوت الآذان، وعلى الرغم من أننى لست متدينة إلا أن هذا الصوت أعطانى شعورا غريبا جداً. أجمل صوت سمعته فى حياتى. وقلت "لسة لنا وجود، ولسة لنا أمل، وعمرى ما أنسى هذا الإحساس".
كتابك الأول "البحث عن فاطمة" كان بمثابة سيرة ذاتية لرحلتك الاضطرارية من القدس إلى لندن إبان النكبة. حدثينا عن هذا الكتاب؟
كتبت هذا الكتاب بهدف واضح، فأنا تربيت فى جو منحاز لإسرائيل. وأتذكر أنه فى فترة حرب 67، كانوا يصورون العرب وجمال عبد الناصر كأنهم شعوب شريرة. وكان الأوربيون يشبهون عبد الناصر بهتلر. وبعد مرور سنوات كثيرة من النشاط السياسى انتبهت إلى ناحية مهمة وهى أن القضية الفلسطينية إما أن يتم تجاهلها أو أن يعامل الشعب الفلسطينى على أنهم إرهابيون وليس شعبا يعيش فى مأساة، وخطر لى أن من أهم أسباب ذلك أننا لم نكتب تاريخنا عن طريق الرواية والمسرحية والأفلام. واقتصرت كتاباتنا على الدراسات السياسية وقرارات هيئة الأمم. فى حين أن المحرقة النازية كسبت متعاطفين وانتشرت فى كل مكان لأنهم صوروها بشكل إنسانى. ففكرت أن أكتب بنفس الطريقة وكتبت مذكراتى بشكل قصصى وجذاب.
وما رد فعل القارئ الغربى على كتابك؟
نجح الكتاب جداً وظهرت عروض لتنفيذه كفيلم أو مسرحية لكن لأسباب مادية ولأن المنتجين أفزعهم كم المأساة ولأن أغلبهم يهود لم ينفذ المشروع. لكن استقبال الناس كان جيد جداً وحتى الآن يكتبون لى من كل أنحاء العالم رسائل حول الكتاب.
ولماذا لم يترجم إلى العربية؟
حاول الناشر الإنجليزى إصدار نسخة عربية لكن لم تتقدم أى جهة عربية لترجمة الكتاب، أما الناشرون العرب فكانت حجتهم أن الكتاب كبير والترجمة مكلفة. مع أنهم ترجموا كتاب "التطهير العرقى فى فلسطين" للكاتب اليهودى المحترم "ايلان بابى". وأهمية ترجمة كتابى إلى العربية أننى وجدت أن القارئ العربى لم يكن يعرف الكثير من الأشياء عن الفترة ما قبل 48 ومنهم فلسطينيون.
وهل واجه كتابك الجديد "زوجة لرجل آخر" نفس مصير الكتاب الأول؟
من حيث الترجمة إلى العربية نعم. وزيارتى الأخيرة إلى مصر لم تسفر عن شئ فى هذا المجال. لكن هذا الكتاب يناقش القضية بشكل مختلف لأنه كتاب سياسى ويفند حل الدولة الواحدة وهو مختلف عن كتابى الأول تماما.ً وأنا مازلت آمل ترجمة "البحث عن فاطمة للعربية" .
تعيشين فى لندن منذ عام 48 هل تشعرين بتغير فى علاقة الأوروبيين بالعرب بعد 11 سبتمبر؟
بعد 11 سبتمبر العداوة فى الغرب أصبحت ضد المسلمين وليس العرب فإذا كنت محجبة ينظر لك بشكل مختلف، لكن أنا ومعظم زملائى لم يحدث لنا شئ. الغرب لا يشعر بالعداوة ضد العرب لكن ضد اللحية والحجاب، والدليل أن هناك عددا كبيرا من العرب فى لندن لا يفكرون فى العودة. الباكستانيون والبنغاليون هم الأكثر معاناة خصوصاً فى أوروبا، أما فى الولايات المتحدة فالوضع أكثر تعقيداً.
الكاتبة الفلسطينية غادة كرمى لـ "اليوم السابع"
حلمى أن تتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة وأن يتكرر نموذج جنوب أفريقيا
الإثنين، 19 مايو 2008 09:24 م
غادة كرمى - تصوير إيمان شوقت
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة