وكأنه مكتوب على العرب ألا يهنأوا بطيب عيش ولا ينعموا براحة بال أو استقرار، بل مكتوب عليهم أن يعيشوا فى خلاف وفرقة ومأساة طوال العمر.. فلا يكفيهم استمرار الجرح الدامى فى فلسطين و الذى أصبح العرب أمامه عاجزين عن تقديم العون أو فكّ الحصار عن غزة، ولا يكفيهم احتلال العراق بوابة العرب الشرقية وتمزيقه
طائفياً وضياع ونهب ثرواته.. فمآسى العرب كثيرة وعديدة، ولسنا فى حاجة إلى نكبة جديدة ومع ذلك فوجِئنا بحزب الله اللبنانى ينقلب على خصومه السياسيين فى لبنان ويسيطر بالسلاح على معظم أحياء بيروت الغربية ذات الأغلبية المسلمة، ويفرض سيطرته على مقار الحكومة.. هكذا أشعل حزب الله الفتنة مما أصاب لبنان والعالم العربى كله بالرعب؛ خوفًا من اندلاع حرب أهلية جديدة .
وكان فى مقدور حزب الله أن يظل نقطة مضيئة فى حياتنا ورمزاً للمقاومة ضد إسرائيل ولا يلوث سلاح المقاومة بالقتال الداخلى أو الطائفى، فلطالما هللت الشعوب العربية لصنيعه ولجهاده ضد إسرائيل وتناسى الجميع شيعيته بل انخرط كثير من سنة لبنان فى صفوفه لقتال إسرائيل.. لكن حزب الله أضاع كل ذلك فى لحظة وفقد مِصداقيته لدى الشارع العربى بعد أن كان يتغنى ليل نهار بعدم استخدام سلاح المقاومة فى الصراع الداخلى.. فها هو يستخدم السلاح لحسم الصراع مع خصومه السياسيين.. ومشكلة حزب الله الرئيسية أنه نشأ وترعرع بدعم إيرانى ليكون الذراع المسلح لإيران فى المنطقة.. فهو ينفذ الأجندة الإيرانية دون مراعاة لمصلحة لبنان أو العرب.. هذا سبب المشكلة، فلا أحد يستطيع أن ينكر أنه من حق الحكومة اللبنانية أن تفرض هيبتها على البلاد وتحاسب حزب الله على تشغيل شبكة الاتصالات، وتركيب كاميرات مراقبة فى مطار بيروت، وإحالة القضية إلى القضاء باعتبارها اعتداءً على سيادة الدولة.
وبدلاً من أن يعالج حزب الله المشكلة بحكمة وعقل راح يستخدم القوة لفرض سطوته متخذاً من سلاح المقاومة ضد إسرائيل ذريعة لبسط هذا النفوذ.
وما فعله حزب الله مؤخراً هدفه الأول هو إخراج السنة من اللعبة السياسية، فى بلدٍ تحكمه التوازنات الطائفية، من خلال استهداف شخصِ رئيس الوزراء، ومنصبه، ومحاولة فرض سنى آخر وَفْقَ هَوَى سوريا وإيران، بزعم أن السنيورة ينفذ أجندة أمريكية إسرائيلية ..
وللأسف حزب الله يخزن السلاح، وينفق ملايين الدولارات على تدريب شبابه، وهو بالتأكيد لا يفعل ذلك بلا غرض وبلا هدف، بل إن له هدفًا محددًا يعلمه قادته ..
والشيعة عمومًا وإيران خاصة براجماتيون بطبيعتهم يقدسون المصلحة حتى لو كانت على حساب الإسلام والمسلمين فهم أول المستفيدين من احتلال العراق وأفغانستان فى فرض هيمنتهم على المنطقة ونشر المذهب الشيعى.. بل لولا إيران ما تمكنت أمريكا من احتلال العراق ..
إننا نخشى أمام غرور حزب الله بقوته المدعومة من إيران مع ضعف قوة السنة وعدم وجود قوة عسكرية تحميهم فى ظل ضعف الجيش اللبنانى وغالبيته الشيعية من اندلاع حرب طائفية تأكل الأخضر واليابس فى لبنان، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتدخل العسكرى الدولى أو العربى، وهو ما يفسر تحرك المدمرة الأمريكية "كول" إلى شواطئ بيروت.. بعد ساعات من انقلاب حزب الله المسلح، فهل يتخلى حزب الله عن غروره؟، ويُجَنِّب لبنان كارثة محققة بالدخول فى مواجهة غير مأمونة العواقب مع الأكثرية، ربما تتحول إلى حرب طائفية عندها سيخسر الجميع كل شىء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة