د.سعيد اللاوندي

لمصلحة من أبلسة حزب الله!

السبت، 17 مايو 2008 12:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أقل من عشرين عاماً كان الحديث يدور على استحياء عن ضرورة أن تساعد إسرائيل فى قيام دولة فلسطينية وكان عراب هذه الفكرة فى حينها السيد مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق، وأذكر أن شيخ المستشرقين الفرنسيين والمعروف "جاك بيرك" علق على ذلك فى صحيفة "لوموند" الفرنسية قائلاً "إن الدولة الفلسطينية المزعومة ستكون مهمتها حراسة أمن إسرائيل أى أن دورها هو أشبه بدور الحارس الذى يطلب منه القبض على فلان، أو محاكمة علان". وأشهد أن هذا الرأى قد صدمنى -فى ذلك الوقت- لكن ها هو الواقع المعاش بات يؤكد صدق ما قاله جاك بيرك، فالسيد محمود عباس "أبو مازن" ورفاقه لا مهمة لهم سوى ضبط إيقاع الحياة فى الأراضى الفلسطينية بهدف حفظ الأمن الإسرائيلى.

لقد قفزت إلى ذهنى هذه الواقعة "وذلك المدلول" عندما نقلت الأنباء أن السيد جورج دبليو بوش "الرئيس الأمريكى" يشرع فى تقديم مساعدات عينية "تشمل أسلحة وعتاداً و مركبات عسكرية" للجيش اللبنانى!!وبطبيعة الحال فإن هذه المساعدات ليست من أجل سواد عيون لبنان واللبنانيين وإنما هدفها هو تسليح الجيش اللبنانى لكى يكون قادراً على ما فشلت فيه إسرائيل وهو نزع سلاح المقاومة وحزب الله.. أى أن سيناريو السلطة الفلسطينية يتكرر مجدداً مع الجيش اللبنانى باعتبار أن الهدف فى الحالتين هو الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل.

وعلينا أن نتذكر أن واشنطن تخطط لهذا الأمر منذ اللحظة التى انهزمت فيها إسرائيل أمام "منعة" و"قوة" المقاومة اللبنانية فى حرب يوليو تموز 2006 إذ أدركت أن الجيش الذى لا يقهر لا حيلة له فى مواجهة حزب الله، وبالتالى كان يتعين تغيير الاستراتيجية ليقوم اللبنانيون أنفسهم بالمهمة التى عجز عن القيام بها الجيش الإسرائيلى لذلك كان طبيعياً -ووفق هذا المخطط ـ أن يشعل وليد جمبلاط الأزمة متحدثاً بلسان إسرائيل وليس بلسان لبنان عندما طالب فى مؤتمره الصحفى الشهير بإزالة أجهزة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وإقالة مدير أمن مطار بيروت.. وهى المطالب التى سكبت الزيت على النار وفاقمت الأحداث وكادت تجعل لبنان يقف على أعتاب حرب أهلية جديدة.

وحرصاً على ذاكرتنا جميعاً، نلفت الانتباه إلى أن الأوضاع الداخلية "السياسية" فى لبنان لم تكن هادئة كما يعتقد البعض ويظن.. فاعتصام المعارضة فى وسط بيروت وتحديداً فى ساحة رياض الصلح لم ينته بعد، وقد مر عليه أكثر من خمسمائة يوم وهو مرشح للبقاء والاستمرار.. ناهيك عن الشروط "والشروط المعتادة" التى تحكم الأزمة بين الفرقاء اللبنانيين وتدور فى مجملها حول المحاور الثلاثة للمبادرة العربية وهى اختيار العماد ميشيل سليمان "قائد الجيش" رئيساً توافقياً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ووضع قانون انتخابى جديد ـ كما يعلم الجميع ـ يأتى من أولويات هذه المحاور، وهل سيتم الأخذ بها فرادى أم مجتمعين.
على أية حال لقد بات واضحاً للأعشى والأعمى والبصير على السواء أن المخطط الأمريكى الصهيونى بتأليب سنة لبنان ضد شيعته وتصوير الخلاف على أنه خلاف طائفى وليس سياسياً، ثم أبلسة حزب الله، "أى جعله إبليساً لعيناً" واستعداء الجميع ضده.. قد حقق قدراً من نجاح، فلقد ابتلع الكثيرون الطعم وباتوا يقدحون ليل نهار فى حزب الله فحققوا بذلك أمنية إسرائيل الغالية، وبعد أن كان حزب الله هو الفارس المغوار، هازم الأعداء، وحافظ الأمن والسلم الأهلى فى لبنان أصبح -بين عشية وضحاها- مخادعاً، وكاذباً، وملعوناً.. وسؤالى البرئ هو التالى: أليست هذه الصفات والاتهامات هى ما كانت إسرائيل تصرخ بها ليلاً ونهاراً؟.. وأليست هى التى كانت تزعم أن الصراع فى لبنان صراع طائفى وليس سياسياً؟.. أريد أن أقول لقد رفعنا الحرج عن إسرائيل وقمنا نحن بالدور الأسوأ الذى كانت تريد القيام به.. ونسينا أن الهدف ليس حزب الله، وإنما المقاومة العربية فى كل مكان.. فهذا هو هدف السياسة الأمريكية.. التى ألبست -فى آن واحد ـ ثوب الشيطان لحركة المقاومة الفلسطينية.. وصورتها أمام العالم على أنها شراذم من الإرهابيين.

وغاب عن بالها عمداً أنها أول دولة إرهابية فى العالم- بمعايير الإرهاب الدولية وأن إسرائيل تمارس عياناً جهاراً سياسة إرهاب الدولة، وتقوم بالإبادة الجماعية لأطفال الحجارة وذويهم بعد تعذيبهم وتجويعهم وسفك دمائهم الذكية مجاناً !!وكلنا يعلم أن تدويل الأزمة اللبنانية على النحو الذى سارت عليه بتدخلات فرنسية وأمريكية وإسرائيلية لن يؤدى إلى حل وإنما إلى مزيد من التعقيد.. ولعل أهل لبنان هم كأهل مكة أدرى بشعاب أزمتهم وبلدهم والقاعدة الذهبية فى هذا الشأن أنه لا شىء يمكن أن يتم فى طريق المصالحة والسلم الأهلى بغير قاعدة التوافق.. فكل أزمات لبنان منذ استقلاله مروراً بالحرب الأهلية فى عام 1975 وحتى اليوم لا تحسب بقاعدة الغالب والمغلوب أو المنتصر والمهزوم.. والغريب أن موالاة لبنان كانوا يعرفون هذا الشىء ويحفظونه عن ظهر قلب لكنهم بتأثيرات أمريكية وفرنسية وإسرائيلية حاولوا القفز على هذه القاعدة فكان أن اصطدموا بالتاريخ القريب والبعيد..

ولذلك ليست مفاجأة لى أن تتراجع حكومة السنيورة عن قرارات وليد جمبلاط ولم يكن مفاجأة لى أيضاً أن يلوح حزب الله بسلاحه وجنوده فى بعض شوارع بيروت والجبل. لأن لبنان هو من أكثر الدول العربية التى تعرف فى حياتها السياسية والاجتماعية خطوطاً حمراء، ولذلك كان ميشيل عون أحد أقطاب المعارضة على حق فى تعليقه على الأحداث بقوله" الآن لقد اعتدل الميزان، وعادت الأمور إلى سابق عهدها"، ولعله يقصد أن الموالاة قد ارتدعوا، وعادوا رغماً عنهم إلى قاعدة التوافق التى لا مكان فيها لغالب أو مغلوب وإنما الجميع سواسية.. وعلى أية حال، أظن أن أحداث لبنان الأخيرة كان لها بعض الإيجابيات أولها أن الجيش اللبنانى يبرز جسداً وكياناً يوثق به، وكان المعتاد فى مثل هذه الأمور أن يكون مختفياً أو جسداً لا حراك فيه.. والثانية أن العماد ميشيل سليمان "قائد الجيش" أكد أن من خلال "حياده" وموقفه المتوازن بين الأطراف المتصارعة أنه الرجل المناسب الذى يمكن أن يقود البلاد "رئيساً" فى هذه المرحلة.

وأتصور أن موقفه هذا جعله يقترب أكثر من الكرسى الرئاسى فى قصر بعبدا. والثانية أن قاعدة التوافق عادت لتتكرس من جديد، ولتكون طوق النجاة الوحيد.. صحيح أن بعض الشخصيات السياسية مثل مروان حمادة، وسمير جعجع هرعت تهرول باتجاه فرنسا وأمريكا تطلب التدخل.. لكن هذا التصرف لا يفت فى عضد قاعدة التوافق التى بغيرها سيظل لبنان جرحاً دامياً .يبقى أخيراً أن نذكر أن الفتنة التى يعيشها لبنان اليوم لا تستهدف فقط حزب الله والمقاومة اللبنانية وإنما ترمى-على المدى البعيد -إلى إشعال نيران الحرب بين الفرس والعرب، وما تصريحات وزير خارجية السعودية المعادية لإيران سوى الفتيل الأول فى هذا الحريق الكبير الذى خطط له الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى زيارته -قبل شهرين- للمنطقة لتأتى زيارته الثانية "الحالية" لتؤكد عليها وتعطى إشارة البدء لدخول المنطقة أتون حرب جديدة تحارب فيها المنطقة العربية إيران "نيابة" عن أمريكا كما تحارب فيها الموالاة فى لبنان المعارضة "نيابة"عن إسرائيل.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة