دفعت استطلاعات الرأى حزب العمال الحاكم إلى مرتبة متدنية, تعد الأكثر إحراجاً منذ عام 1930. جاءت النتيجة لتلقى بالمزيد من الاضطراب على رئيس الوزراء جوردون براون, الذى خسر انتخابات محلية فى إنجلترا وويلز, وضياع منصب عمدة لندن من نفوذ حزبه ليذهب إلى "المحافظين".
أشارت الأرقام إلى أن الرأى العام منحاز إلى المعارضة المحافظة بنسب 49%، بينما حصل "العمال" على 23% فقط, مما يعد نكسة أخرى فى مسلسل الإحباطات الذى يحاصر رئيس الوزراء البريطانى. واعترف جون دنهام الوزير فى الحكومة بأن "البوصلة" ضاعت من يد الحزب الحاكم, نتيجة عدم وضوح الرؤية السياسية واختلاط الأوراق، مما دفع لاحتجاج الطبقة الوسطى, الأكثر تضرراً من ارتفاع الضرائب وغلاء الأسعار واهتزاز سوق العقارات, بينما الحكومة غير قادرة على طرح سياسات إنقاذ ومقنعة تجذب الناخبين إليها مرة أخرى.
الأزمة التى تحيط بجوردون براون, تعود لغياب الإصلاحات المباشرة والأفكار الجديدة والمبادرات الخلاقة, التى ميزت حكم "العمال" مع صعوده إلى السلطة فى عام 1997, وفى ظل إدارة تونى بلير الذى تنحى عن منصبه العام الماضى ويتولى مهمة مبعوث الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط. ويشير مراقبون إلى أن الحزب، الذى جاء إلى الحكم بعشرات الأفكار التجديدية عندما وصل إلى السلطة منذ أكثر من عشر سنوات, أصابه الجمود, كما أن الرهان على جوردون براون لإنقاذه, ثبت فشله, حيث يتعرض لمجموعة من الأزمات والإحباطات لا يعرف كيف يتعامل معها.
كان "براون" اعترف بالتقصير وبأخطاء ارتكبها ووعد بالتحرك نتيجة استجابته لرسائل المجتمع باحتجاج مباشر خلال انتخابات المحليات وعمدة لندن. تعتقد قيادات عمالية, أن الحزب فى ورطة وقد يفقد الانتخابات المقبلة. وهناك أصوات تطالب بتغيير الزعامة وإحلال أخرى بديلة لها. وتدور التوقعات حول وزير الخارجية الشاب ديفيد ميليباند ليطرح اسمه وينافس "براون" على الزعامة من أجل مصلحة الحزب الحاكم والبقاء فى السلطة. وقد أعلن "ميليباند" تأييده لرئيس الوزراء, وقال إنه الزعيم الذى سيقود الحزب إلى الانتخابات العامة وسينجح فيها, نتيجة قدراته فى تخطى المصاعب الحالية وطرح سياسة قوية مقنعة أمام الناخبين.
تعكس أزمة الإحباط الحالية تجاه الحزب الحاكم فى بريطانيا, الرغبة فى التغيير والإطاحة بحكومة مستمرة منذ عام 1997, على الرغم من تجديدها لنفسها بتعديل وزارى إثر تولى براون السلطة عقب تنحى تونى بلير. وتغيير الوزارة دفع بوجوه شابة لم تنجح فى امتصاص الاحتجاج, الذى عبر عن نفسه بشكل صاخب خلال الانتخابات المحلية الأخيرة, التى شكلت هزيمة للعمال لم تحدث منذ أربعين عاماً.
يعتقد البريطانيون أن زعيم المعارضة ديفيد كاميرون الشاب, لديه سياسات مقنعة ومتطورة تستجيب لعلاج الأزمات وتقود البلاد إلى مرحلة مختلفة, تسقط عنها الترهل والكسل السياسى والتردد البالغ فى نهج سياسات جديدة تنعش الاقتصاد والبلاد معاً.
وقد ينجح الاحتجاج داخل حزب العمال بإقصاء رئيس الوزراء من موقعه, قبل أن يفعل الناخبون ذلك فى انتخابات عامة مقبلة فى 2010. والساحة البريطانية تتطلع إلى تغيير, مع أن حكومة "العمال" مستمرة فقط منذ عشر سنوات, وهذا بالمقياس الديمقراطى يعد فترة طويلة للغاية تجلب الاكتئاب والنعاس و"النحس" السياسى بمختلف أشكاله.
وقد نجح اللندنيون فى إزاحة عمدتهم السابق وإعطاء المنصب لآخر شاب هو بوريس جونسون, الذى اختاره الناخبون رغبة فى التجديد وحتى لا يبقى الزعيم السياسى فى منصبه مما يجمد أوصاله ويفسد عقله, الأمر الذى يجعله غير قادر على الحكم مع انتهاء مدة الصلاحية السياسية.