أبو شهداء غزة

قدمت كل أولادى لنصرة القضية الفلسطينية.. وأعد أحفادى للانتفاضة القادمة

الأربعاء، 14 مايو 2008 02:50 ص
قدمت كل أولادى لنصرة القضية الفلسطينية.. وأعد أحفادى للانتفاضة القادمة نضال عونى الصرفيطى مع المحررين بمخيم جباليا
أميرة عبد السلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"فلسطين بلدى، والإنسان إذا ضاعت بلده لا يهمه أى شىء آخر، لا عمره الذى ضاع بين أروقة السجون الإسرائيلية، ولا حتى أولاده الذين قدمهم هدية لنصرة القضية الفلسطينية". من هنا، من داخل قطاع غزة المحاصر المناضل، بدأنا الحوار مع "أبو الشهداء" كما يطلقون عليه، مواطن فلسطيني، تتكرر ملامحه وفصول مأساته فى كل بيت على الأرض المحتلة، إنه "نضال حسنى الصرفيطي"، والذى لا تستطيع أن تدخل غزة دون أن تتبادل الحديث معه.

البداية
البداية كانت فى 1970، وقتها كان نضال يبلغ من العمر 19 عاما، إلا أن ذلك لم يحل دون اشتراكه فى المقاومة المسلحة "اعتقلت 15 مرة على فترات متباعدة، البداية كانت فى يناير 1970، كان عمرى 19 سنة، اعتقلت على خلفية عملية للجبهة فى غزة بشارع عمر المختار، فجرنا فيها سيارة جيب وقتل فيها جندى إسرائيلى وبنت ضابط إسرائيلى كبير، وكانت فى نفس الوقت مجندة فى الجيش الصهيونى". لم يكن الاعتقال الأول سهلا عليه، إلا أن التدريب الذى تلقاه فى الجبهة الشعبية ساعده على تجاوزه: "خرجت من المعتقل بعد 82 يوما لأنه لم يكن هناك أى اتهامات، كانت فترة صعبة لأن سنى كان صغيرا، لكننا كنا دارسين تأثير السجون علينا وكيفية التعامل مع المحقق الإسرائيلى أثناء التحقيق، فى هذه الفترة كانت الجبهة الشعبية هى التى تقوم بالعمل النضالى فكان الجيش الإسرائيلى فى شوارع غزة بالنهار، وفى الليل تظهر عناصر الجبهة الشعبية لتبدأ نضالها المسلح".

لم يثنه الاعتقال الأول عن مواصلة النضال، فاعتقل مرة أخرى. يقول نضال: "اعتقلت مرة ثانية فى 16 مارس 1989، واستمر الاعتقال سنتين و3 شهور، فى سجن النقب الصحراوى، كان عندى فى ذلك الوقت 3 أبناء و3 بنات. الإسرائيليون اقتحموا المنزل وضربوا أولادى وزوجتي، وهو الأمر الذى كرس بداخلهم ضرورة الدفاع عن فلسطين، وبعد اعتقالى قام أبنائى بقذف الإسرائيليين بالحجارة، فاقتحموا المنزل وداسوا على طفلى وكان عمره وقتها عاما واحدا، فكسروا ذراعه ومنعوا أمه حتى من الذهاب به إلى المستشفى".

انطلاقة الشهداء
محمد ابن السبع سنوات، كان أول الشهداء الذين قدمهم "نضال"، "استمر الوضع هكذا فى سجال مستمر، إلى أن وصلت السلطة الفلسطينية فى 1994، كنت مع طفلى وزوجتى فى الشارع عندما فوجئت بسيارة جيب إسرائيلى تهاجمنا، حاولت سحب طفلى محمد بعيداٌ، إلا أن الجيب كانت أسرع منى وداسته بعجلاتها، كان عمره وقتها 7 سنوات، أعطانى استشهاده قوة وعزيمة لاستمرارى فى العمل، ومن هنا صمم أبنائى أن يأخذوا ثأر أخيهم".

عدة سنوات مرت على استشهاد محمد، ويتوقف الزمان فى عام 2000، حيث يأبى أن يمر دون أن يدفع نضال ضريبة أخرى لتحرير فلسطين، وكانت الضريبة هى أسر ابنه على والذى كان رفيقه فى الجبهة الشعبية، ومقاتلا فى جناحها العسكرى، كتائب الشهيد أبو على مصطفى. يقول نضال: "اعتقل على فى 7 يوليو 2000، فى منطقة إيريز، كان وقتها مطلوبا لقيامه بعملية مسلحة عند معبر المنطار، وبعدها توجه لعملية أخرى كان يخطط لتنفيذها داخل إسرائيل. كان الحكم الأول مؤبد وعشر سنوات، وعندما استأنفنا الحكم، نزل لمؤبد فقط، ثم قمنا بعمل استرحام بواسطة محامين من عرب الداخل، فصدر الحكم بالسجن لمدة 16 عاما، وهو معتقل حاليا فى سجن نفحة الصحراوى بالنقب، وكان عمره وقت اعتقاله 20 عاما، وكان خاطب ابنة عمه، إلا أنه وبعد صدور الحكم قررنا فسخ خطوبته فقد اختار الزواج من القضية الفلسطينية".

شهيد يدفع الثمن
بعد أسر على، حاول نضال أن يكون حريصا على ولده المتبقى كما يقول، إلا أنه وقف عاجزا دون حتى أن يحاول منع ابنه الثالث من تلبية نداء فلسطين، والذى لم ترحمه آلة الحرب الصهيونية: "حسنى كان يعمل فى المخابرات العسكرية للسلطة، ومنضم لكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، وفى حوالى الساعة الخامسة مساء، يوم 16 مارس 2004، كنا نجلس فى المنزل حين دق تليفونه، أخبرنى أنه سيخرج لمدة ساعة واحدة وبعدها سيعود، بعد 5 دقائق من خروجه سمعنا صوت الطيران الإسرائيلي".

بصعوبة بالغة حبس نضال دموعه فى عينيه وهو يكمل سرد القصة لنا: "كان زوج ابنتى مطلوبا فى هذه الفترة، قالت زوجتى إنهم سيقصفون داره، وبعد دقائق سمعنا انفجارات مدوية فى شارع المشتل، فقد قصفوا منزلا كان موجودا فيه حسنى مع بعض رفاقه، وعندما حددوا المنزل الذى تم قصفه فى النشرة، عرفت أن هذا المنزل هو المكان الذى يلتقى فيه حسنى برفاقه ليخططوا لعملياتهم، ونزل الأمر على كالصاعقة".

لم يجد نضال أمامه سوى الذهاب إلى المستشفى للاستعلام عن ابنه أو ربما لإلقاء النظرة الأخيرة عليه: "ذهبت إلى المستشفى، رفضوا أن يعلمونى بالحقيقة، إلا أننى قرأت اسم ابنى من بين الشهداء، فأغشى على ونقلونى إلى المنزل، كان استشهاده بالنسبة لنا كارثة لأنه الولد الوحيد المتبقى والمعيل للأسرة، إلا أننا قلنا الحمد لله ربنا اصطفانا بشهيد آخر، ونحن نفتخر بذلك".

لم ترحم آلة الحرب الصهيونية نضال، فلم تكن تمر فترة طويلة بعد استشهاد ابنه حسنى، حتى اغتالت زوج ابنته عمرو عرفات الخطيب، قائد سرايا القدس فى غزة، والذى استهدفته طائرة صهيونية، "ترك لى زوجته وأربعة أبناء هم أحفادى وأبنائى، وعزائى الوحيد الذى أعيش عليه هو تقديمهم لنصرة القضية الفلسطينية، ولو عندى شباب آخرون سأقدمهم شهداء من أجل فلسطين والقدس والأمة العربية، فأنا لا أعترف بإسرائيل كدولة وإنما أعترف بها ككيان صهيونى محتل، والقدس ستكون عاصمتنا، إن لم يكن على أيدينا نحن، فسيكون على أيدى الأجيال القادمة".

عونى شهيد يختلف
آخر الشهداء الذين قدمهم نضال، كان ابن أخيه عونى، وهو الشهيد الذى أثر استشهاده فى نضال بشكل كبير، حيث لم يقتل على أيدى الصهاينة، وإنما برصاص فلسطينى: "فقد عونى حياته يوم انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية، قتل برصاص فلسطينى، فكان موته هو المكافأة التى قدمتها حماس لنضالى على مر سنوات عمرى لنصرة القضية الفلسطينية، فقد تبين من التقرير الطبى أنه قد أعدم فى المستشفى حينما أطلق الرصاص من داخل قسم الاستقبال، وقد أصيب ببعض العيارات النارية التى أدت إلى نزيف دموى حاد، أدت إلى استشهاده على الفور"، وتساءل نضال: "هل هذه هى هديتنا بعد معاناتنا ونضالنا لمدة 40 عاما لصالح القضية الفلسطينية؟!".

مكافأة حماس لنضال كما يسميها، لم تكتف باغتيال ابن أخيه، بل وصلت إلى أن "قام نشطاء حماس بإغلاق الجامع حتى لا يصلى عليه أحد صلاة الجنازة، فهذه هدية عائلة مناضلة قدمت أسرى وشهداء"، كما يقول نضال الذى أضاف: "هديتنا كانت من حماس أن يقتلوا هذا الشاب، ولم يكتفوا بهذا ففى يوم انطلاقة فتح كانت له صورة فى ميدان الجندى المجهول، حرقوها، وإلى الآن موجودة محروقة ولم أغيرها لتكون بمثابة شاهد عيان عليهم، تلك هى المأساة الأكبر أن تحرق صورة شهيد على يد حماس شهيد قتل بدون ذنب، فقط لأنه فتحاوى".






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة