فى الندوة التى أقامتها دار الكتب للكاتب والمؤلف محفوظ عبد الرحمن، مساء الأحد، والتى أدارها د. السيد فليفل، تحدث الكاتب عن كل شىء يرتبط بالدراما التاريخية، لكنه لم يتطرق إلى موضوع الندوة لا من قريب ولا بعيد، والتى كان عنوانها "الدراما والتاريخ.. نحو أداء أكاديمى منضبط"!.
الحضور كان من الباحثين والموظفين بالدار الذين تغلب عليهم الصبغة الأكاديمية.. ورغم ذلك لم يكن هم الجميع لا الأداء الأكاديمى ولا الانضباط، فقط تحدث محفوظ عن فكرة علاقة الدراما التاريخية بالتوثيق بناء على أسئلة الحضور، ومن بينهم د. مصطفى الغريب، الذى سأله من يكتب التاريخ؟ وهل تعرض المسلسلات التاريخية على مؤرخين لمراجعتها قبل عرضها؟ فقال محفوظ: الدراما التاريخية ليست تاريخاً بنسبة 100%، وإلا يصبح العمل وثائقياً أو تسجيلياً، والأصل أن هناك شيئاً من التاريخ وشيئاً من التأليف أو الإبداع، ففى مسلسل سليمان الحلبى الذى قمت بتأليفه ـ مثلاً ـ لم أجد مصادر تاريخية سوى بضعة كتب قليلة تدور حوله أو تذكره من بعيد، فقمت بتأليف تفاصيل كثيرة للغاية وإدخال أحداث من نسج خيالى، وفى فيلم "ناصر 56" قمت بتأليف الشخصيتين التى قام بأدائهما أحمد ماهر وأمينة رزق.
لم يكتف محفوظ بالحديث عن الرئيس الراحل عبد الناصر، بل امتد إلى عهد مبارك، والذى قال إن "كل كاتب له "كتالوج" يدخل به عالم الكتابة، وإلا لن يكون كاتباً وليس لديه مشروع إبداعى، ومن صفاتى أننى لا أنوى الكتابة عن الأحياء على الإطلاق، فمن الممكن أن أمدح فيهم وفى مشروعاتهم ثم يغيرون من أنفسهم وتتبدل أحوالهم".
أسهب محفوظ كذلك فى الحديث عن شخصية صدام حسين: "صدام شخصية مليئة بالمتناقضات، درامية بامتياز.. سبق وأن التقيته مرة واحدة فى أحد المهرجانات وقت أن كان فى عز عهده.. فوجئت بمن يطرق باب حجرة الفندق فى العراق رجال أشداء ضخام الجثث، طلبوا منى اصطحابى لا أعلم إلى أين، ولكنى قبلت، ثم نزلت بصحبة ستة أشخاص غيرى من ضيوف المهرجان وذهبوا بنا إلى القصر الجمهورى، وهناك تم تفتيشنا كثيراً حتى إننى اضطررت لخلع بذلتى ونحن وسط جنرالات ذوى أجساد ضخمة، وحين دخلنا إلى الساحة التى يجلس بها صدام اكتشفت أننى مضطر لأن أفعل مثلما يفعل غيرى وأن أتملقه وأقول له عبارات الإطراء والثناء والشكر، ولكنى ظللت أتلكأ حتى أصبحت الأخير ولم يبق غيرى، وحين وصلت إليه وهو مرتدياً بذلته العسكرية، مشدود القامة سلمت عليه دون أن أنطق بكلمة، وحين هممت بسحب يدى ظل ممسكاً بها لا يتحرك، مرت على أطول 20 ثانية فى حياتى وأنا بين يديه.. وقتها تأكدت من نظرية أينشتين حول نسبية الوقت..أحاول أن أبدو متماسكاً لا أعلق ولا أقول كلمة، وحين نظرت إلى زملائى من المدعويين الستة عدت إليه لأتمتم بكلمات "عبيطة" لا تؤدى لشىء، ولم هو يهتم بمعرفتها سوى أنه ظن أننى أمدحه "بصحيح" فترك يدى.. لن أقول عن صدام سوى أنه عروبى عظيم، رأيت العراق فى أوائل نظامه وأواخرها، والمشروعات الزراعية والصناعية التى قام بتشييدها، وشاهدت بعينى دفاعه عن المصريين هناك، لكنه شخص دموى، ديكتاتور بطبعه، وقع فى أخطاء كثيرة لأن أحداً لا يوصل له المعلومات بسبب ديكتاتوريته.. هو شخصية درامية 100% بسبب المتناقضات التى يحملها بداخله، لكننى لا أستطيع أن أكتب عنه الآن بسبب عدم وجود من يتصدى لى إذا كتبت عنه.. وقد قدمت لى إحدى شركات الإنتاج عرضاً بدفع أى مبلغ تجاه كتابة مسلسل عنه ولكننى رفضت".
ذكر محفوظ أيضاً النقطة التى ينطلق منها فى كتابة التاريخ مؤكداً أنه لا يختار موضوعاً ولا شخصية إلا إذا أحس أنها معاصرة وتصل بسهولة للآخرين.."إذا شغلنى موضوع بشدة أفهم أنه آنى، فأقوم بالاشتغال عليه من منطلق إيمانى بأن الدراما التاريخية رسالة من الماضى إلى الحاضر".
محفوظ أكد أن الكثير من الكتابات التاريخية تحرض القارئ على الابتعاد عنها، لأنها تكتب بلغة جامدة وصيغة تنفر القارئ.. "اهتممت فى وقت ما بفترة الموارقة فرحت أبحث عن كتب حولها فى كل مكان، إلى أن وجدت كتاباً بعنوان "الموارقة" فى إحدى المكتبات، ومن فرط شغفى بالكتاب اشتريت منه ثلاث نسخ لإعارتها لأصدقائى، وخرجت بالكتب الثلاث إلى سيارتى.. أضأت نور السيارة الداخلى وقرأت فيه، ومن يومها لم أقرأ منه سوى أول صفحة، بسبب اللغة السيئة التى كتب بها، لذا فالمؤرخ أو الكاتب يجب أن يشعر بمتعة الكتابة حتى يستمتع القارئ بدوره".
محفوظ أضاف أن على أحمد باكثير كان من الكتاب الذين تمتعوا بملكة متعة الكتابة، لكنه ظلم كثيراً.. فالفترة التى ظهر فيها باكثير كانت تتميز بالمد اليسارى، وهو ما جعله مستبعداً من قائمة كبار الكتاب لفترة طويلة.
محفوظ هاجم معظم كتاب الدراما التاريخية، مؤكداً أن هناك جهلاً لدى الكثير منهم، وأنهم لا يتمتعون بحس إبداعى أو تاريخى أو حتى ثقافى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة