تباينت ردود علماء الدين حول فتوى توريث الكتابية من زوجها المسلم والتى أقرها مجمع البحوث الإسلامية ،الأسبوع الماضى، وانقسموا إلى فريقين أحدهما مؤيد للفتوى مشدد على تنفيذها بحجة أنها من ثوابت الدين وأمر مفروغ منه والفريق الآخر رافض لها باعتبارها تنطوى على عنصرية ضد الزوجة الكتابية وتحرمها من حق طبيعى، ودعى هذا الفريق أيضاً إلى فك الجمود الذى يسيطر على مجرى التفكير الإسلامى وإصدار الفتاوى بما يناسب التغير الذى صار عليه المجتمع .
تنقلنا بين الآراء فى محاولة للتوصل لأرضية مشتركة لفهم هذه الفتوى ومعرفة مدى تأثيرها على المجتمع.
عقول متحجرة
المفكر الإسلامى جمال البنا، هاجم مجمع البحوث الإسلامية ووصفهم بأنهم مجموعة من العقول المتحجرة، والمجمع نفسه قد تجمد دوره بوجودهم وأصبح غير مؤهل للبت فى قضايا المسلمين، ففى قضية مثل توريث الكتابية يعتمدون على الحديث الشريف الذى يقول "لا توارث بين أهل ملتين شتى"، وهو يعبر عن مبدأ إسلامى وأحكام عامة لعلاقات كانت موجودة قديماً، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للزوجة فهى الأقرب للرجل ولا يعقل حرمانها من الميراث نتيجة لعدم فهم البعض لنص الحديث، ويتساءل "البنا" إذا كان الإسلام أمرنا أن نبر بالذين لا يقاتلونا من أصحاب الملل الأخرى فكيف تحرم زوجة من ميراث زوجها بسبب الدين ؟.
الإسلام دين عدل
فيما أعرب أحمد السايح أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر عن رفضه للفتوى من مبدأ أن الإسلام هو دين العد ل وهذه الفتوى تتنافى مع مقتضيات العدالة طالما أن المرأة تركت أهلها وتزوجت من شخص على غير دينها فلا يمكن أن يظلمها رب العزة ، مؤكداً أنه لا يستبعد تطبيق هذه الفتوى فى مصر طالما أن هذا هو التفكير السائد فى الفتوى وطالما هناك حالات زواج بين المسلمين والكتابيات .
ويرد السايح على استناد مجمع البحوث إلى الحديث الشريف بقوله " هذا الحديث يحتاج إلى تحقيق ودراسة من أهل العلم قبل أن نبنى عليه فتوى كهذه أقل ما تتهم به هو "العنصرية" كما تعطى انطباعاً للناس بأن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة دونية بينما الحقيقة أن الإسلام يعلى من شأن المرأة ويحفظ حقوقها ".
ورفض د.أحمد السايح التعلل بأن الكتابية تعلم بهذا الحكم قبل زواجها لأن علمها أو قبولها لهذا الحكم لا يمنع من إعادة النظر فى مدى صحته والضرر الناتج عنه.
الفتوى دينية وليست قانونية
دافع د. العجمى الدمنهورى أستاذ علم الحديث عن الفتوى لأنها مسألة دينية بحتة وليست قانونية أو وضعية ـ حسب قوله - لذلك لا يجب الاختلاف عليها، واعتبر الدمنهورى الفتوى بأنها وجهة نظر الشرع وهناك أحكام لا يملك فيها الرسول إلا التبليغ وقد اختص الله نفسه بالعلم بحكمتها ، والزوجة فى هذه الحالة ليس عليها ضرر لأن باب الوصية مفتوح أمام الزوج ليوصى لها بما يشاء، ورفض الدمنهورى ربط الفتوى بشرعية مجمع البحوث أو مدى أهليته لإصدار الفتاوى، قائلاً المجمع فى هذه الحالة اعتمد على نص صريح وهو الحديث الشريف وهو حديث صحيح ولكن من حقنا أن نناقش المجمع فى الأمور الاجتهادية والتى تقبل الصواب والخطأ " ويضيف بأن التشكيك فى صحة الحديث يصدر عن جهل وعدم تفقه لأن علم الحديث –على حد قوله – من أعظم العلوم التى خضعت للتنقية والنقد كما أن هناك علوماً كثيرة وضعت لخدمته.
أمور ثابتة فى الشرع
د. مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية رفض الهجوم الذى يشنه البعض على الفتوى وقال إنها من الأمور الثابتة فى الشرع ومن ينكر ذلك ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة والمجمع يضم مجموعة من علماء الدين الأكفاء ولا يجرؤ أحدهم على تأييد فتوى بغير يقين أو علم ، وأضاف الشكعة أن عدم توريث الكتابية جاء بإجماع علماء المسلمين منذ بداية الإسلام استناداً إلى حديث " لاتوارث بين أهل ملتين شتى " ومعناه واضح لا لبس فيه ويرى أن الذى ينادى بالتحقق من صحة الحديث فهو بذلك يهين علماء الأمة الذين هم أعلم بالحديث الصحيح من الذى فيه شك.، ونفى الشكعة أن تنطوى الفتوى على عنصرية أو ظلم للزوجة الكتابية فمن حق الزوج أن يوصى لها إلى حد الثلث وهو مظهر من مظاهر العدالة الإسلامية فالإسلام لا يأتى بظلم ولا يهضم حق أحد.
يذكر أن الحديث عن فتوى عدم توريث الكتابية بدأ فى مجلس الشعب حيث طالبت الدكتورة زينب رضوان بعدم حرمان الزوجة الكتابية من ميراث زوجها و هو الرأى الذى سبق ونشرته فى كتاب "السلام وقضايا المرأة" الذى أصدره اليونسكو عام 1998 وهو ما أثار ضدها رجال الدين فى مصر ، إلى أن أصدر مجمع البحوث الإسلامية فى جلسته يوم 23 أبريل الجارى فتوى تمنع توريث الزوجة الكتابية من زوجها المسلم .
توريث الكتابية .. فتنة نائمة من أيقظها .. ولماذا؟
الخميس، 01 مايو 2008 02:22 م