مطلوب منى أن اكذب عينى، التى سيأكلها الدود، بعد عمر طويل، وأصدق تامر أمين، ابن أبيه، وتصريحات السادة المسئولين، الذين قالوا إن إضراب الأحد الماضى قد فشل، وإن الشعب المصرى عن بكرة أبيه وأمه، قد ذهب إلى عمله، وإن الذين دعوا للإضراب ما هم إلا قلة حاقدة ومندسة، كشفها الشعب العظيم من أول نظرة!
مطلوب منى أن اكذب ما شهدته فى هذا اليوم من انسياب فى حركة المرور، عرفه شارع فيصل نفسه، وكوبرى 6 أكتوبر ذاته، وشوارع وسط القاهرة شخصيا، بشكل جعلنى أتمتع فى هذا اليوم التاريخى بالفن المعمارى الرائع، ليس لعمارات فيصل بطبيعة الحال، ولكن لبنايات وسط البلد، وأنا من عشاق هذه المنطقة، شأن كل النازحين من أحراش الريف المصرى، والذين يتصورون للوهلة الأولى أن القاهرة هى ميدان رمسيس، وأن هذا الميدان هو محور الكون. وفى الوهلة الثانية يستقر فى وجدانهم أن ما تصوروه هو الظن الذى لا يغنى عن الحق شيئاً، والحق أن شوارع: عبد الخالق ثروت، وطلعت حرب، وقصر النيل، و26 يوليو، وشريف، هى الأصل، وزمان قال الشاعر بالوراثة: على الأصل دور!
الإضراب فشل؟!، نعم فشل. والذين دعوا إليه هم قلة حاقدة ومندسة!.. نعم هم قلة حاقدة ومندسة.. مع أنى لا أعرف معنى " مندسة" هذه، وإن كنت أعلم مدلول كلمة حاقدة، أنا عن نفسى حاقد على أحمد عز مثلا، ليس لأنه احتكر الحديد، ولكن لأنه احتكر ما هما أهم من المنجنيز وثانى أكسيد الكربون، وهما، وحسب معلوماتى العميقة، والمتعمقة، فى العلوم الطبيعية، أهم من رغيف الخبز بالنسبة للإنسان. فعز يا قراء لم يكتف باحتكار الحديد، لكنه احتكر اختنا فى الله شاهيناز النجار، وأعاد البشرية ـ بأمواله - إلى زمن الجوارى، فقد استقالت من البرلمان، وأنا الذى ناضلت نضال الشجعان من أجل أن أحصل على "ورك حصانة"، وفشلت، وكنت المعارض الوحيد فى بر مصر، الذى سقط فى هذه الانتخابات بإرادة الجماهير وبدون تزوير.. أنا وخالد محيى الدين، لزوم الموضوعية!.
وما أظن أن الرجل نجح فى العودة إلى الزمن سالف الذكر بوسامته، ولكن بأمواله، الذى هو مال الشعب المصرى، وعندما انتمى إلى القلة الحاقدة والمندسة، فأنا معذور، ليس لمال الشعب، فلا مال للشعب، فالمال مال الله، وأهلى علمونى أن "الفلوس تروح وتيجى" وأن الصحة أهم شئ فى الدنيا، ولكن حقدى مرده إلى أسباب أخرى، أظنها باتت معروفة، وقديماً قال القائل: إن المعروف لا يعرف!
حسناً الشعب المصرى لم يستجب للإضراب الذى دعت إليه القلة الحاقدة والمندسة، سأسلم معكم بهذا، بيد أن هذا التسليم هو شريطة أن تسلموا معى بما يلى، وقبل أن نعرض ما يلى هذا، أشير إلى أن من أطلب منه التسليم ليس هو تامر ابن أبيه، وإنما أعنى أهل الحكم.
أولا: أن إضعاف الأحزاب الشرعية، لن يجعل الحياة لونها بمبى، ويجعل الحزب الحاكم هو سيد الشارع، فالشعب قادر بالبديهة على أن يفرز، وقد فرز ووضع الأحزاب مع الحزب الحاكم فى نفس السلة، فعندما يتم تعيين رفعت السعيد بقرار رئاسى فى مجلس الشورى، ويأتى بعد هذا ويعلن بدون خجل أو وجل، أن الدعوة للإضراب دعوة متعجلة، فلا يعنى أن النظام ملك الشارع. وعندما يتم إخافة محمود أباظة بعفريت نعمان جمعة، وبتقرير محكمة النقض الذى قال ببطلان الانتخابات التى كانت نتيجتها أنه أصبح عضواً بالبرلمان، فيخضع بالقول، فإن هذا لا يعنى أن حركات الغضب والاحتجاج تم تأميمها بتأميم الأحزاب، واستئناسها.
ثانيا: أن فشل الإضراب، وعدم استجابة الجماهير الكاسحة للقلة الحاقدة والمندسة، لا يعنى أن الشعب متوحد مع القيادة السياسية، فهو غاضب، بسبب الارتفاع المجنون فى أسعار السلع، والذى لم يستثن ولو حتى السلع المكونة للوجبات الشعبية، لكم أن تعلموا أن سعر الفول المدمس أصبح أغلى من سعر الحديد. فإذا كان سعر طن الحديد هو 6 آلاف جنيهاً، فإن طن الفول هو 9 آلاف جنيه، جنيه ينطح جنيه.. معذور أحمد عز!
ثالثا: أن الناس فى عالمنا العربى قد يتسامحون مع الحاكم المستبد، وقد تسامحوا مع جمال عبد الناصر، لكنهم لن يتسامحوا البتة مع من يجوعهم، وقديما ورد فى الأثر: "عض قلبى ولا تعض رغيفى". كما ورد فى الأثر أيضا: "يا ناوى على قوتى، يا ناوى على موتى"، فلا يليق، والحال لا يخفى على أحد، أن يتم تصوير الشعب المصرى تليفزيونياً على طريقة عادل إمام فى "شاهد ماشفش حاجة"، إنه مبسوط من الحكومة والحمد لله.
سلموا لى بهذه، لأسلم لكم بتلك، وإلا فكل واحد منا من طريق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة