عندما أسرعت كونداليزا رايس إلى بغداد فى زيارة سرية مفاجئة يوم الأحد 20 أبريل 2008، ثم رئاستها لاجتماع وزراء خارجية الدول المعتدلة الذين انضم إليهم وزير خارجية العراق، حاول المراقبون كالعادة فك طلاسم هذا اللغز: لماذا الزيارة المفاجئة والسرية؟ ولماذا اجتماع المنامة السابق مباشرة على اجتماع الدول المجاورة للعراق؟ ولا أظن أن الأمر يستعصى على الفهم، فالعراق الآن يقع بين إيران والولايات المتحدة كل يريد أن يستخلصه لمشروعه.
ورغم ما فى هذا الطرح من إغراء وسهولة إلا أن هذه المقولة تنطوى على تفاصيل هائلة ترتبط بكيفية رؤية إيران لشكل العراق المريح لها، كما ترتبط بالتصور الأمريكى لعراق جديد مريح للمشروع الأمريكى. وقد يلتبس الأمر على المفكرين العرب مثلما التبس عليهم فى أحوال كثيرة خاصة فى المسألة العراقية وما ارتبط بها من اشتباك بين الخط القومى والخط الإسلامى. فلا يجوز مثلاً أن نقارن بين مستوى الشقاء فى عراق صدام وفى عراق الاحتلال، كما لا تجوز المقارنة بين عراق صدام وعراق التكالب الإيرانى الأمريكى.
وجوهر المشكلة فى نظرى فى العراق فى عهد صدام وبعده هو استلاب الإرادة العربية وتمكن الولايات المتحدة من توزيع أوراق اللعبة على أبطال اللعبة العرب، فهى إن وظفت صدام، فقد وظفت الآخرين أيضاً حتى رأينا تجليات ذلك فى العراق وفى فلسطين وغيرهما من مواقع المأساة العربية. فقد أبدى العرب معارضة خافتة لإبراء الذمة فى غزو العراق, بينما تركوا واشنطن تستخدم أراضيهم على النحو الذى تشاء بنية الغزو والاحتلال، ولم تعترض الدول العربية على كل الإجراءات داخل العراق بما فيها وضع الاحتلال لدستور دائم يخرج العراق من انتمائه العربى صراحة، وأفسدت واشنطن فى العراق وأشاعت فيه الخراب والدمار ولم تنطق أى دولة عربية بسوء، ولكن يحسب للدول العربية أنها تمنعت على دعوة واشنطن لها لإرسال قوات أو تعزيز علاقاتها الدبلوماسية وذلك بسبب انعدام الأمن، بينما اتخذت هذه الدول مواقف ناقدة من إيران كما انتقد معظمها برنامجها النووى، وحاول بعضها الآخر الربط بين برنامج إيران وبرنامج إسرائيل, وكلها أجندات ضد المصالح العربية.
ومرة أخرى لا أريد للفكر العربى أن يقع فى إغراء المقارنة بين ضرر إيران وضرر واشنطن أو إسرائيل، فكلهم لا يخدم أى مشروع عربى، بل يتمدد على الفراغ الذى نتج عن انسحاب الإرادة العربية وتوظيفها لخدمة المشروع الأمريكى، وهى المرة الأولى فى تاريخ الانحطاط العربى أن يسهم العرب أنفسهم فى تقويض آمالهم بأيديهم فأصبح الحكام يصدقون أكاذيب التقارير الأمريكية ولم تقشعر أبدانهم فى مسرحية إعدام صدام حسين بقرار من محكمة شكلها عراقى يديرها الاحتلال من وراء الستار ولم تحتج دولة عربية واحدة وتفض عن نفسها الاتهام بالمشاركة فى مسلسل تضليل الشعوب العربية فى أن العراق دولة ذات سيادة مستقلة كما ورد فى بيان الكويت للدول المجاورة للعراق يوم 23 أبريل.
فالتكالب على العراق بين أمريكا وإيران سوف يحدد مصير العراق ما لم تظهر إرادة عربية مستقلة لها رؤية واضحة تضاف إلى المشروعين الإيرانى والأمريكى، وأظن أن مثل هذا الخيار يبدو أمامى فى هذا المشهد مستحيلاً مادامت الإرادة العربية مستلبة والجسم العربى يوظف لاستبعاد العراق، ولذلك فإن كل الأصوات التى تنتقد إيران والولايات المتحدة لن تعيد العراق عربياً موحداً بعد أن تمكنت إيران وأمريكا من خلق قاعدة عراقية داخلية غير مواتية بعد أن تخلى العرب، وبعد أن أصبحت الدول المجاورة للعراق تحدد شكل العراق الجديد على ضوء مصالحها التى تتدخل واشنطن إلى حد بعيد فى صياغتها. والبديل الفورى لاسترداد إدارة الفعل والرؤية فى العالم العربى هو أن تتوقف الدول العربية فى سياستها وإعلامها عن أن تكون بوقا للمشروع الأمريكى. وألا تنفذ بكل هذا القدر من الطاعة والخشوع مفردات هذا المشروع بعد أن عجز العالم العربى عن أن يكون طرفاً فى صنع القرار الأمريكى أو أن يكون مؤثراً مقنعاً فى المشروع الإيرانى.
سفير د.عبدالله الأشعل
أين نحن من التكالب الإيرانى الأمريكى على العراق؟
الأربعاء، 30 أبريل 2008 10:43 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة