أكثر من 15 قطعة عسكرية ضخمة تابعة لسلاح البحرية الأمريكية عبرت قناة السويس على دفعتين فى شهر مارس الماضى.. العبور كان فى الاتجاهين، من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، وبالعكس، وهو الأكبر من نوعه منذ الغزو الأمريكى للعراق قبل 5 سنوات، فهل هناك أى دلالات عسكرية أو سياسية عن قرب مواجهة ما.. خاصة أن التسلح الأمريكى السابح فى المياه العربية قادر على تغيير خريطة المنطقة بالكامل.
تهديد إيران
حركة القطع البحرية الأمريكية فى البحر الأبيض طرأ عليها تغير جوهرى منذ وصول المدمرة "يو. إس. إس. كول" إلى قبالة السواحل اللبنانية الشهر الماضى على مسافة 65 كم، ثم انطلاقها بعد ذلك إلى مياه الخليج العربى الذى ترابض فيه ثلاث نوعيات من القواعد العسكرية الأمريكية، تتنوع ما بين قواعد مركزية ولوجسيتية وإمداد، مما قد يشير إلى تلويح بالتهديد لإيران.
صفقة وشيكة
التوزع العسكرى الأمريكى فى المنطقة، ما بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربى، يمر بقناة السويس التى تتحول فى أوقات الحاجة إلى شريان عسكرى يثير المخاوف، خاصة مع التحريض الإسرائيلى المتواصل ضد إيران بسبب البرنامج النووى للأخيرة والتجاوب الأمريكى- الأوروبى مع هذا التحريض.
لا يمكن الجزم إذن بأن هناك مواجهة عسكرية وشيكة من أى نوع، رغم التوترات الحادثة فى المنطقة.
أكثر من هذا يرى البعض أن الولايات المتحدة فى سبيلها إلى إبرام صفقة ما مع إيران، سواء بشأن العراق أو منطقة الخليج العربى عموماً وملفها النووى خصوصاً، وهذا البعض ينظر بعين الريبة إلى الطرفين( الولايات المتحدة وإيران).
أمر اعتيادى
الدكتور محمد عبد السلام - رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمى فى المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية - يرى أنه من الناحية النظرية فقط هناك مواجهة عسكرية تلوح فى الأفق، مع تزايد الكثافة المرورية العسكرية فى القناة، ومجىء قطع بحرية إلى المنطقة أمر اعتيادى ويحدث طوال الوقت، لكن الكثافة مع وجود إشارات ودلالات تطرح علامات استفهام حول الغاية، ولكنه يستطرد: من الناحية العملية الأمر يختلف فالولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى حشد إمكانات عسكرية أكبر مما هو واضح فى حال قررت الدخول فى حرب، وعلى سبيل المثال هناك حاجة إلى شحن ثلاث حاملات طائرات، بالإضافة لما هو موجود فى المنطقة تحمل على الأقل 250 طائرة مقاتلة وهو ما لم يتوفر حتى الآن.
خطوط بديلة
خط سير هذه القطع البحرية فى اتجاه واحد ليس معناه أيضاً أن الحرب أو أن ثمة معارك جديدة فى المنطقة على الأبواب، فهناك خط بحرى آخر تعتمد عليه الولايات المتحدة عندما تحضر لحرب فى المنطقة، يظهر مع مجىء قطع بحرية ثقيلة بموازاة الهند وأسفل الخليج العربى وليس مروراً بقناة السويس.
عدم التهويل من قوة الحشد العسكرى فى المنطقة كمقدمة للحرب يتوافق معه اللواء د. أ. ح محمد قدرى سعيد والذى قال: هذه القطع موجود مثلها بالمنطقة منذ نحو 60 عاماً، وظل ذلك مرتبطاً بالمصالح الأمريكية ذات البعدين الاستراتيجى والاقتصادى، وأضاف د. سعيد: بالتالى ليس هناك جديد، إذن معدلات التزايد لا تعنى أيضاً التخوف من نشوب حرب، طالما لم يتجاوز الأمر حالة الصدام المعلن والتوترات القاطعة مثلما كان الموقف فى حالة العراق، وعليه فهذا التكثيف لا يزال يرتبط بالبعدين، فهناك حالة قلق على منابع النفط، وتوفير غطاء حماية للقوات التابعة للولايات المتحدة فى العراق وأفغانستان، ولدى الولايات المتحدة تخوف أولى من حدوث حرب فى المنطقة قد تتعارض معها مصالحها أو قد تبادر إليها إسرائيل أو العكس وبالتالى تزيد تلك التحركات فى المنطقة.
مشهد مرور المدمرة الأمريكية كول «USS Cool» فى 28 فبراير الماضى قبالة سواحل لبنان وعبورها قناة السويس ودخولها منطقة مياه الخليج العربى حاملة صواريخ كروز ومضادات للصواريخ و 2800 من المارينز وطائرات مقاتلة إف 16، بالإضافة إلى سفن عسكرية تابعة، لم يعتبرها خبراء آخرون مجرد إطار أمنى معتاد.
رسالة واضحة
يقول الخبير العسكرى الاستراتيجى اللواء جمال مظلوم: العبور العسكرى الأمريكى عبر قناة السويس بهذا الشكل الحاشد يحتمل تصورين، الأول: هو أن الولايات المتحدة الأمريكية جادة فى توجيه ضربة عسكرية لإيران، وهذا التصور له مبرراته مؤخراً ومن بينها استقالة ويليام فالون قائد القوات الأعلى فى المنطقة المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط الذى يعارض الحرب فى هذا التوقيت، فضلاً عن الزيارات المتوالية والمتعاقبة لصقور الإدارة الأمريكية للمنطقة كنائب الرئيس ديك تشينى الذى كان رد فعله على استقالة فالون خلافاً لبيان البيت الأبيض «حسناً فعل الرجل» فى حين اعتبر البيان الصادر عن البيت الأبيض أن استقالة الأميرال «فالون» أمر مؤسف، وكذلك زيارات كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وما صاحبها من شحن متصاعد ضد إيران، ويجب أيضاً التوقف أمام مغزى القطع البحرية قبالة السواحل اللبنانية والذى يبعث بعدة رسائل واضحة لسوريا وحزب الله فى لبنان وإيران، فضلاً عن التأكيد على أهمية حماية أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية فى المنطقة.
عن التصور الثانى قال مظلوم: الولايات المتحدة الأمريكية تريد تسويق هذه الصورة إعلامياً واستغلالها فى إرهاب أعدائها فى المنطقة وبالتالى فهى تدفع ببوارجها الحربية ومدمراتها فى شكل حشد هائل، تستفيد منه كذلك من ناحية أخرى فى استبدال قوات بقوات أخرى وقطع بحرية بقطع أخرى.
لكن ما الموقف المصرى من المسألة؟
يقول قدرى سعيد: الممرات البحرية بشكل عام ليس بمقدور أحد منع الحركة فيها، فهى تخضع لاتفاقيات دولية، مثلما هو الحال المعروف لاتفاقية القسطنطينية، وبالتالى فإن مصر لا يمكن أن تمنع أحداً من المرور فى القناة إلا فى حالة واحدة عندما يكون هذا التحرك مقصوداً به مصر ذاتها كما حدث فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، عام 1967 و فى عهد الرئيس أنور السادات أثناء حرب أكتوبر.
◄لمعلوماتك
861 بارجة حربية أمريكية سمحت لها مصر بعبور قناة السويس فى الفترة من 2001 وحتى 2005.
