إبراهيم أحمد عرفات

أحداث أبريل.. وقوة مصر

الأحد، 27 أبريل 2008 07:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيام وينتهى شهر أبريل بأحداثه الساخنة التى شهدتها البلاد، بدءاً من إضراب 6 أبريل، مروراً بانتخابات المحليات التى شهدت استبعادات بالجملة من المعارضين والمستقلين وما نتج عنها أيضاً ما يمكن اعتباره انشقاقات عن الحزب الحاكم نفسه، فضلاً عن تفجر أزمة رغيف العيش وارتفاع الأسعار، وانتهاء بأحداث نقابة الصحفيين التى تضم بين أروقتها من ينشر هموم الناس ويحاول أن يوصل متاعبهم لصناع القرار.

وبعد أن هدأت ـ نسبياً ـ عاصفة الكتابات التى تناولت هذه الأحداث كل على حدا، وتوقفت الأقلام عن تحليل ونقد هذه الأحداث.. تبدو هناك ضرورة لنظرة أخرى أكثر عمقاً لأحداث أبريل، باعتبارها مرآة عاكسة لـ "قوة مصر".. والسؤال الذى يتبادر لذهن القارئ حال قراءته لهذه المقدمة: ما علاقة قوة البلاد بهذه الأحداث؟ أليس القوة التى نسمع عنها أو يحاول البعض ترويجها لأى بلد، لا تخرج عن الأبعاد الاقتصادية والعسكرية؟.. الإجابة ببساطة أن قوة أى بلد لا تتجزأ، ولكنها عبارة عن مزيج من القوة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعسكرية..

ولنا فى الاتحاد السوفيتى مثال.. فقد كان قوة عسكرية عظمى، ولديه موارد اقتصادية ساعدته على استخدام المنح والمعونات لتوسيع معسكره الشرقى، وأيديولوجية سياسية لها بريقها فى الدعوة إلى المساواة الاقتصادية، وعدم تحكم رأس المال فى الشعوب.. ولكن عندما تراجع هذا الزخم حول نموذجه السياسى ـ الشيوعى ـ وبعد أن انكشفت الاقتصاديات الاشتراكية بعد الطفرة التى شهدتها مراحلها الأولى، وبدأت تتسلل إلى الدول التى تدور فى فلكه مقولات الديمقراطية، والحرية والرفاهة الاقتصادية، بدأت الاضطرابات تجتاحه، وذلك عبر مظاهر متعددة كان أولها أطروحة تجديد فلسفة الفكر السياسى الحاكم للقيادة السياسية، والتى بدأها سكرتير الحزب الشيوعى ذاته فى تشيكوسلوفاكيا (السابقة) ألكسندردوبتشيك، منذ ستينيات القرن الماضى فيما عرف بحركة "ربيع براغ"، واستكملها فاتسلاف هافيل المفكر والأديب التشيكى فى الثمانينيات، مروراً بمظاهرات واضرابات حركة "تضامن" العمالية بقيادة "ليش فاونسا" فى بولندا مع مطلع الثمانينات، حتى تفجرت حركات التغيير واجتاحت ركيزة الاتحاد السوفيتي فى أوروبا الشرقية، وهو ما أدى فى النهاية إلى انهيار قواه رويدا رويدا حتى سقط تماماً فى بداية تسعينيات القرن العشرين، بعد سلسلة أيضاً من الإخفاقات الخارجية، والتى كانت أهم أسبابها تلك التوترات الداخلية..

هذا النموذج التوضيحى يقودنا إلى معادلة أخرى بسيطة قد تساعد على فهم السبب الذى دعانا إلى ربط أحداث أبريل بقوة مصر، والتى تتمثل فى أن استقرار النظام السياسى وقدرته على تلبية احتياجات المواطنين، يؤدى إلى استقرار البيئة السياسية والاقتصادية من خلال بلورة حراك سياسى منظم وواضح الأسس والركائز والمعالم (وليس فوضى سياسية كما هى الآن فى مصر)، تدفع فى النهاية إلى تماسك الجبهة الداخلية (الركيزة الأساسية) فى مواجهة أية تهديدات أو أزمات داخلية أو خارجية كبرى..

وبتطبيق هذه المعادلة على الحالة المصرية، يمكن القول أن ما تشهده البلاد من حالة احتقان داخلى بين الناس تجاه الحكومة، وبين الناس بعضهم البعض (المسلمين والمسحيين)، ما هو إلى نتيجة تراجع القوة الداخلية لهذا البلد، فجمود الفكر والفلسفة السياسية للقيادة السياسية، واقتصارها على "الورق" والشعارات دون وضع برامج للتطبيق، جعلت الناس عرضة لما يمكن تسميته لـ "الاختراق" من التيارات السياسية والفكرية التى تعمل لمصالحها فقط، والتى غالباً ما تطبق أجندات خارجية، حيث تطرح نفسها كمخرج يمكن من خلاله الهروب مما آل إليه فى البلاد، بدلا من التفكير بموضوعية فى كيفية معالجة وتحسين الأوضاع الداخلية..

وبالتالى جاءت النتيجة كما رأيناها فى إضرابات العمال، وإضراب 6 أبريل الذى تحرك من مجرد سلوك سلمى للتعبير عن حالة عدم الرضا إلى مواجهات عنيفة وتخريب، وأصبح ساحة لتصفية الحسابات السياسية الضيقة بين بعض التيارات السياسية والحكومة، وأصبحنا الآن نرى ونلمس غياب الهوية الوطنية واستبدلها بانتماءات إيديولوجية سياسية منها ما هو مغلف بإطار دينى، وبالتالى غاب الإجماع أمام القضايا الوطنية الكبرى، والتى يتعلق بها سلامة البلاد وأمنة، وهو ما يمكن أن يتضح مع اجتياح آخر للحدود مع غزة.. هذا فضلاً عن تحرك الأقلام ـ الصحفية ـ للدفاع عن تيارات سياسية بعينها، بدلاً من الدفاع عن الناس التى تعانى الغلاء وتدهور أوضاعها بشكل عام..

هذه النتيجة يمكن أن نلمس معها أيضاً تراجع فى فاعلية القدرة السياسية المصرية خارجياً، وهو ما يأتى نتيجة طبيعية لما تشهده البلاد من اضطرابات داخلية، جعل من القيادة السياسية "مشتتة" بين متطلبات الداخل وضرورات تأمين الخارج، فى ظل تزايد الضغوط الدولية ـ بين الحين والآخر ـ بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

هذا الوضع ربما يحتاج أكثر إلى إعادة ما يمكن اعتباره "إجراءات بناء ثقة" بين الحكومة والقوى السياسية المختلفة، من خلال استئناف جولات الحوار الوطنى، وأيضاً يحتاج إلى إعادة ترتيب أولويات القضايا الوطنية.. وهو ما لا يمكن أن يتم إلا من خلال الحوار والمشاركة بين الحكومة والقوى المختلفة، السياسية والمدنية منها على السواء.. فنحن الآن على المحك، والمواقف التى سوف تختبر فيها قوة مصر قادمة وبقوة.. وقريبة جداً.. ولنا فى مؤشرات اجتياح الحدود المصرية مع قطاع غزة مرة أخرى، والمواقف الداخلية المتوقعة تجاه رد الفعل المصرى.. لقاء!!!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة