البعثة الأخيرة عادت قبل أيام دون نتائج ملموسة

26 عامــاً من طــرق الأبــواب الأمريكية .. ولا زالــت مغلــقة

السبت، 26 أبريل 2008 10:13 ص
26 عامــاً من طــرق الأبــواب الأمريكية  .. ولا زالــت مغلــقة
كتب محمود عسكر، همت عامر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
26 عاماً مضت، ارتبط خلالها شهر مارس من كل عام بموعد أشهر بعثة تجارية يقوم بها رجال الأعمال المصريين، بالإضافة إلى الكثير من المسئولين فى قطاعى الصناعة والتجارة إلى الولايات المتحدة ، واشتهرت الرحلة باسم (طرق الأبواب) برعاية الغرفة التجارية الأمريكية فى مصر سعياً لتحقيق عدد من الأهداف على الصعيدين الاقتصادى والسياسى، جاءت زيارة البعثة هذا العام متواكبة مع ظروف سياسية صعبة، خصوصاً فى ظل الأوضاع السياسية المتردية فى العراق، وتعثر عملية السلام على كل المسارات، إضافة إلى زيادة التوتر فى العلاقة بين أمريكا وإيران، كما جاءت فى ظل فترة انتقال سياسى بالنسبة للإدارة الأمريكية ،وزيادة الانتقادات الأمريكية لمصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والاضطهاد الدينى والبهائيين وتخفيض المعونة وغير ذلك من قضايا الضغط التى تمارسها أمريكا على مصر، هذا العام ضمت البعثة حوالى 40 من رجال الأعمال الذين فوجئوا بتجاهل شبه تام من كبار المسئولين الأمريكيين رغم ذهابها وفى جعبتها الكثيرمن المشروعات الاقتصادية المطروحة والكثير من المميزات التى قامت بها الحكومة مؤخراً، ورغم ذلك عادت البعثة - قبل أيام - دون أى إنجازات حقيقية وهو ما يطرح تساؤلات عدة منها ، هل هذه البعثات السنوية تحقق فعلاً أى إنجازات اقتصادية؟ وما الذى حققته بعد 26 عاماً من طرق أبواب أمريكا؟ وهل لشخصية رئيسها تأثير فيما يتعلق بنتائجها؟
رؤساء البعثات
بداية لابد من الإشارة إلى أن شفيق جبر هو الذى يرجع له الفضل الأول فى إرسال أول بعثة لطرق الأبواب إلى الولايات المتحدة ، وقد شجعت الحكومة هذه البعثات ودعمتها معنوياً ، ورغم أن استجابة المؤسسات الأمريكية ورجال الأعمال لها كانت محدودة جداً فى البداية، فقد ساهمت إلى حد كبير فى تقريب وجهات النظر وخلقت علاقات شخصية قوية بين رجال الأعمال المصريين والأمريكيين فى ذلك الوقت، إلا أن هذا لم يدم طويلاً حيث ساءت العلاقات بين المسئولين فى مصر ورئيس الغرفة شفيق جبر بشدة خصوصاً فى أواخر التسعينيات أثناء حكومة الدكتور كمال الجنزورى بعدما انتقد شفيق بشدة الأوضاع الاقتصادية فى بلاده بعد عودته من إحدى رحلات طرق الأبواب، وأعطى بعض النصائح للحكومة منها ضرورة ضبط سوق النقد وهو ما أغضب الجنزورى وقتها بشدة وأدى إلى قطيعة رسمية بين الحكومة والغرفة من ناحية، ورئيسها شفيق جبر من ناحية أخرى حتى أنه أجهضت أى مؤتمرات يشارك أو يدعو إليها، ولذلك كانت مواقف الحكومة سلبية وتكاد تكون معدومة تجاه أى مطالب لرجال الأعمال فى الغرفة وقتها، خصوصاً أن مصر فى هذه الفترة كانت منغلقة إلى حد كبير على نفسها وكانت مازالت تخطو الخطوات الأولى فى برنامج الإصلاح الاقتصادى ولكل ذلك كان تأثير وأهمية بعثات طرق الأبواب حتى عام 1999محدوداً للغاية.
محمد منصور
تولى المهندس محمد منصور رئاسة الغرفة خلفاً لجبر وتم بعدها تحديد مدة بقاء رئيس الغرفة بدورتين متتاليتين أى 4 سنوات فقط،، وتولى رئاسة الغرفة خلال الفترة من عام 2000 إلى 2004 ، وكانت له كلمة مشهورة وهى "أن النجاح دائماً يسهل لك التعامل مع الآخرين" أى أن النجاح الذى يحققه رجال الأعمال المصريين هو الذى سيفتح الأبواب الأمريكية أمامهم ويجعل رجال الأعمال الأمريكيين هم الذين يسعون للاستثمار فى مصر وهو ما حدث بالفعل فخلال هذه الفترة كان هناك تعاون جيد بين البلدين بصفة رسمية، كما كانت هناك طفرة فى الاقتصاد المصرى بصفة عامة رغم بعض الأزمات المفاجئة مثل أزمة السيولة وتأثير حروب العراق وتعويم الجنيه وما تبعه من فقد الجنيه لأكثر من 30 % من قيمته الشرائية، ومع كل ذلك كانت بعثات طرق الأبواب خلال الفترة التى تولى فيها رئاسة الغرفة أكثر فاعلية من فترة رئاسة شفيق جبر فى الجانب النظرى فقط دون نتائج ملموسة.
طاهر حلمى
تولى طاهر حلمى- رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية- رئاسة غرفة التجارة الأمريكية خلال الفترة من 2004 إلى 2007، وكان حلمى من أكثر رجال الأعمال الذين تولوا رئاسة الغرفة قرباً إلى المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال أيضاً وحظى بمكانة متميزة جعلته أكثر نشاطاً وأكثر تأثيراً من سابقيه، ولا يستطيع أحد أن ينكر مدى حرصه وسعيه لتحقيق أكبر المكاسب من العلاقات الاقتصادية المصرية الأمريكية من خلال بعثات طرق الأبواب خصوصاً بعثة العام الماضى التى كانت تحاول إنجاز اتفاق نهائى حول منطقة التجارة الحرة بين البلدين ، إلا أن الجانب الأمريكى أعلن صراحة وقتها بأن الوقت غير مناسب لبدء المفاوضات، وأشار طاهر وقتها أن الاتفاقية على أهميتها ليست كل شىء وأن تأجيل البت فيها لا يعنى عدم وجود قضايا أخرى تستحق البحث والدراسة مع الجانب الأمريكى وأن العلاقات بين البلدين لا يمكن اقتصارها فى هذا الإطار الضيق فهناك قضايا أخرى مشتركة مثل اهتمام مصر بالسوق الأمريكية وحرصها على جذب الاستثمارات، وتجلت مواقفه وقتها عندما قال إن البعثة (عام 2007 ) تحمل رسالة واضحة للأمريكيين تقول إننا لسنا على استعداد لدفع أى ثمن لاتفاقية التجارة الحرة وبصورة رسمية ، وأضاف "لن نضحى بخطتنا فى الإصلاح سواء السياسى أو الاقتصادى لنقبل إصلاحاً مفروضاً علينا من الخارج وهذا لا يعنى عدم تصميمنا على المضى قدماً فى مجال الإصلاح بل سنلتزم بخطوات جادة سريعة تراعى ظروفنا المجتمعية، وفى نفس الوقت لا يمكن إغفال الدور الحكومى المساند لهذه البعثة رغم أنها كانت فى ظروف سياسية واقتصادية خاصة، حيث شهدت العلاقات المصرية الأمريكية العديد من التقلبات مثل الخلاف حول قضية تصنيع بعض أنواع الأدوية الأجنبية محلياً والتى ترى الشركات الأمريكية أن مصر تخالف بذلك اتفاقية "التربس" التى وقعت عليها مصر، إضافة إلى الموقف الأمريكى من زعيم حزب "الغد" المعارض أيمن نور الذى تعتبر مصر أى حديث عنه تدخلاً فى شؤنها الداخلية غير مقبول إطلاقاً، ورغم كل ذلك عادت البعثة دون تحقيق أية نتائج ملموسة وتم إرجاء القضية الكبرى وهى مفاوضات منطقة التجارة الحرة إلى أجل غير مسمى.
عمر مهنى
قبل عام تقريباً تولى مهنا رئاسة الغرفة التجارية الأمريكية خلفاً لطاهر حلمى وتعد بعثة طرق الأبواب التى عادت منذ أيام هى الأولى تحت رئاسته ، ورغم أنها جاءت فى ظروف صعبة للغاية سواء خارجياً أو داخلياً إلا أنه حاول هو وعدد من رجال الأعمال الذين سافروا معه الحصول على أكبر قدر من المكاسب مدعومين بما تحقق من إنجازات على كل المستويات الاقتصادية، بالإضافة إلى دعم ملحوظ من الحكومة تمثل فى لقاءات متتالية مع مسئولين كبار قبل ذهاب البعثة إلى أمريكا بأيام أمثال المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة ومحمود محيى الدين وزير الاستثمار اللذين أخذا يعددان إنجازات الحكومة والتسهيلات التى تقدمها لجذب الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً الأمريكية، وطرح العديد من المشروعات الجديدة فى المدن الصناعية الجديدة للمستثمرين الأمريكيين ، بالإضافة إلى التطرق للتقدم الملحوظ على المستوى السياسى وحقوق الإنسان ، كما طرح وزير النقل محمد منصور العديد من مشروعات إنشاء الطرق فى المدن الجديد للمستثمرين الأجانب.
وكان مهنى وزملاؤه ذهبوا إلى أمريكا هذا العام ويملؤهم التفاؤل بإمكانية تحقيق تقدم فى بعض القضايا المهمة فى مقدمتها التجارة الحرة، لكن البعثة عادت خالية الوفاض، ليس هذا فحسب بل إن الكثير من المسئولين الأمريكيين رفضوا مقابلتهم من الأساس وعلى رأسهم عضوة الكونجرس شيلى بيركلى من ولاية نيفادا، وبررت رفضها بما أطلقت عليه موقف مصر "غير المتعاون" من قضية الأنفاق إلى غزة وتهريب السلاح، رغم أن هذا الموقف يبدو غريباً لأن جماعة الضغط اليهودى "إيباك" أشادت فى الوقت نفسه بالموقف المصرى من الحدود مع غزة،

قضايا حملتها البعثة خلال 26 عاماً
كانت ولا تزال أهم القضايا التى يحملها أعضاء البعثة معهم إلى أمريكا هى محاولة خلق بيئة مناسبة للتعاون الاقتصادى بين البلدين، وضرورة فصل العلاقات الاقتصادية بينهما عن أى قضايا أخرى سواء سياسية أو غيرها إلا أن القضايا الأخرى مثل مسار الديمقراطية والعلاقة مع إسرائيل أو الأقليات أو حقوق الإنسان وغيرها كانت دائماً تحول دون ذلك، وكانت محاولات أعضاء البعثات المتتالية لإقامة شراكات اقتصادية واتفاقيات تضمن تدفق الاستثمارات بين البلدين وعلى رأسها منطقة التجارة الحرة هى أهم ما حمله الأعضاء خلال معظم البعثات وغالباً كان يتكرر عرضها بنفس السيناريو وأيضاً كانت ترفض كل المحاولات المصرية لإنجازها لنفس الأسباب كل عام مثل أن الديمقراطية لازالت فى مراحلها الأولى ولم تكتمل بعد، ومازال ملف حقوق الإنسان يحتاج الكثير من الجهد، ومازالت برامج التطبيع مع إسرائيل غير مكتملة، كما أن الوضع الاقتصادى فى مصر غير مستعد بعد لإقامة منطقة تجارة حرة بين مصر وأمريكا وغيرها من الأسباب التى تكررت خلال 26 عاماً دون تغيير، حتى بعد تطبيق اتفاقية الكويز وزيادة التبادل التجارى بين مصر وأمريكا نتيجة لها تحفظ الجانب الأمريكى على المطالب المصرية بزيادة المناطق العاملة باتفاقية "الكويز" خصوصاً فى الصعيد وزيادة عدد الشركات العاملة ضمن الاتفاقية ووعدوا بدراسة الموضوع مع الجانب الإسرائيلى دون وعد بتحقيقه.
ماذا حققت بعثات طرق الأبواب؟
يمكن تلخيص أهم النتائج التى استطاعت رحلات بعثة طرق الأبواب الأمريكية تحقيقها خلال الأعوام السابقة فى نجاحها فقط فى مجرد لفت أنظار الأوساط الاقتصادية الأمريكية إلى ما حققه الاقتصاد المصرى من تقدم، بالإضافة إلى بعض العلاقات الشخصية بين رجال الأعمال المصريين ونظرائهم الأمريكيين، خاصة إذا علمنا أن عدداً كبيراً من أعضاء الغرفة من المصريين الذين يديرون فروعاً لمشروعات أمريكية فى مصر أو ممن تربطهم علاقات تجارة واستثمار معها وهو ما يناسب طبيعة المستثمر الأمريكى الذى لا يقتنع إلا بالتجارب الواقعية، كما شارك عدد كبير من أعضاء الغرفة فى شرح التطورات التى تشهدها مصر فى مجالات البنوك والبورصة وسوق المال، أما على الجانب العملى فلم يحقق معظم هذه البعثات إنجازات حقيقية ملموسة بعد 26 عاماً من طرق الأبواب الأمريكية ، اللهم إلا زيادة فى الصادرات المصرية بنسبة محدودة لا تتعدى 4% حتى عام 2000، إلى جانب دخول سلع مصرية غير تقليدية للسوق الأمريكية لأول مرة، كما تم التوقيع على اتفاقية جديدة للاستثمار والتجارة بين البلدين "التيفا" عام 2001 ، بالإضافة إلى قدوم عدد من الشركات الأمريكية للاستثمار فى مصر منها مايكروسوفت ومترو وول مارك للتجارة والتوزيع وغيرها من الشركات، ويعتبر البعض أن النتيجة الأكبر هى توقيع اتفاقية "الكويز" بين مصر وأمريكا وإسرائيل رغم أن هذه الاتفاقية هى بالأساس صناعة حكومية لا دخل للبعثة بها، كما أنها اتفاقية سياسية فى المقام الأول.

رأى خبراء الاقتصاد
الدكتور سلطان أبو على – وزير الاقتصاد الأسبق – أكد أن هذه البعثات بمثابة رحلات روتينية ليس لها أى ثمار، وقال إن البعثات التى تقوم بها غرفة التجارة الأمريكية فى القاهرة تأتى تحت مسمى تنشيط العلاقات المصرية الأمريكية ، وأضاف أن هذه البعثات و رغم الفشل الذريع الذى يلاحقها ، إلا أن هناك إصراراً على الاستمرار فى إقامتها لأنها تحقق المصلحة الأمريكية، معرباً عن أسفه لما يتردد من وجود منفعة للاقتصاد المصرى من ورائها ، فالمصلحة المصرية ستأتى مع زيادة الصادرات إلى أمريكا وهذا لم يحدث بالطبع، لأن الأمريكان يتبعون سياسة اقتصادية تهدف إلى زيادة المعوقات أمام الصادرات المصرية وفرض نسب معينة من المنتج الإسرائيلى كما حدث مع اتفاقية الكويز، الأمر الذى يجعل تلك البعثات تصب فى الصالح الأمريكى فقط، وأوضح أبو على أن أمريكا تعلم جيداً أن الحكومة المصرية ستظل حريصة على إرسال مثل هذه البعثات لأن هذا من شأنه تعزيز العلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، وبما أن مصر من أهم تلك الدول فاستمرار تلك البعثات دليل على قوة العلاقات بين أمريكا والشرق الأوسط، وانتهى أبو على إلى أنه مهما طالبنا بإلغاء هذه البعثات فلن يتم إلغاؤها لأنها بمثابة "واجهة إعلامية" قوية تستغلها أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط.
حسن النية
من جهة أخرى، قال الدكتور عبد الرحمن عليان – أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس– إن الحكومة المصرية وغرفة التجارة الأمريكية فى القاهرة ستظلان متمسكتين بهذه البعثات رغم فشلها لأنها تثبت حسن نية النظام المصرى فى تحقيق متطلبات الإدارة الأمريكية، ووصف عليان تلك البعثات بأنها "بعثات مصلحة" تخدم رجال الأعمال المصريين الذين يعتبرون المستفيدون الوحيدون منها ، فرغم الفشل الذى تحققه وعدم وجود أى منفعة أو مصلحة تعود على الاقتصاد المصرى من ورائها ، إلا أن رجال الأعمال يحققون من خلالها نجاحات ويكونون علاقات تخدم مصلحتهم أولاً وأخيراً.

أما رزق أحمد رزق – مقرر عام اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى الديمقراطى – فقال إن الحكومة لم تتعلم خلال السنوات الماضية كيفية الخروج بنتائج إيجابية من كل البعثات التى تم إرسالها بما يؤدى إلى تنشيط وزيادة الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية، وأضاف رزق أنه فى ظل وجود نظام الخصخصة ودخول القطاع الخاص وسيطرته على الأمور الاقتصادية زادت التوجيهات الأمريكية للحكومة والتى تتم عبر هذه البعثات التى توصف بـ "طرق الأبواب".






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة