لا جديد تحت سقف الحريات ، منذ فترة ليست بالقصيرة، والعالم العربى يعيد أخطاءه وكأنه ينظر فى مرآة أطال النظر فيها، وصل الأمر خطورته بعد الحكم الذى وقعه القضاء الإدارى المصرى على الشاعر حلمى سالم، والذى جاء فيه سحب جائزة التفوق منه وإلزامه برد قيمتها المالية بناء على دعوة أقامها أحد مشايخ "الحسبة الجدد" يوسف البدرى الذى بدأ حياته منغرساً فى تنظيمات شيوعية بجانب طموحه الإبداعى الفاشل، ويوسف البدرى الذى أطل نجمه عندما شنّ حربه على المفكر والباحث فى علوم القرآن الدكتور "نصر حامد أبو زيد" وطلقه من زوجته بدعوى الحسبة ، ثم لم يسكت "شيخ الحسبة" وأقام دعاوى أخرى على الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والناقد جابر عصفور والروائى جمال الغيطانى وأخيرا الشاعر حلمى سالم بسبب قصيدته " شرفة ليلى مراد" التى نشرت فى مجلة "إبداع".
ونطرح تساؤلاً: كيف حدث هذا الخلط الواضح فى قضية " شرفة ليلى مراد" بين الدين والفن بعد كل ما اسميناه تطوراً حضارياً وتطوراً فى حرية الإبداع والتفكير، فالعرب القدامى ــ المستنيرون طبعا ــ قد قالوا كلمتهم فيما يمس علاقة الآداب بالدين.
ولا أتصور قياس الأدب الذى يعتمد على النسبى والمجاز والرؤية والمفارقة بالدين، ومن السفه العظيم التلويح بالدين ــ أى دين ــ فى إبداع إنسانى خالص، وعبد القادر الجرجانى وغيره قد حسموا علاقة الشعر بالدين منذ مئات السنين.
من زاوية أخرى لو نظرنا إلى الاقتتال الحادث عند تأويل وتفسير النصوص المقدسة على مر الأزمان، فماذا لو حدث وفسر الإبداع عموما على هوى من هو غير جدير بتفسيره ، فالجائزة التى منحت لحلمى سالم كانت بناء على مجمل أعمال الشاعر التى تزيد على ثلاثة عشر ديوانًا وكتابات فكرية مثل " ثقافة كاتم الصوت والحداثة أخت التسامح "، وهذه الجائزة منحها أكاديميون ونقاد ومبدعون فى لجنة مكونة من 45 عضواً وتعمل بالاقتراع السرى ولا سلطان عليهم .
وكنت أتصور أن جدالاً من نوع آخر يتم طرحه داخل الوسط الثقافى حول منح الجائزة لحلمى سالم، وليس محمد سليمان ورفعت سلام وعبد المنعم رمضان وكلهم من جيل السبعينيات الذى أحدث طفرة تُحسب فى مسار الشعر المصرى الراهن. أما ما حدث فهو مطاردة للمبدعين والمفكرين بشكل عشوائى فى مصر وبلدان عربية بالتزامن.
ويكفى أن نشير للمجزرة التى أقامها باحث سعودى لنيل درجة الدكتوراه فى تكفير أكثر من 200 مفكر ومبدع عربى وكأنه امتلك تفويضا ربانيا، إنها حرب "ميليشيات محاكم التفتيش" بعد انقضاء موضتها فى الخارج منذ القرن السادس عشر الميلادى، لكن الآن وبعد كل هذا الدم المسفوك من أجل حرية التعبير والإبداع تُطل علينا عناصر من مؤسسة الأزهر "وهابية الهوى" وتصادر كل يوم كتابا وتحكم على مؤلفه بالردة، والأمر لم يقتصرعلى الأزهر بل تنافس عليه شيوخ فضائيات " المال الخليجى " الذين يعتقدون بأنهم "ربانيون" يلاحقون كل من يختلف معهم.
وعزاءً لثقافة الحوار التى رواها التاريخ البعيد عن مناظرات الفلاسفة والمفكرين فى قضايا لو ناقشوها اليوم لنُزعت السيوف من غمدها، وفى نفس الوقت لا يتفوه "الربانيون الجدد" ولو بكلمة واحدة نحو سياسات بعينها وكأنهم عقدوا صفقة مع الشيطان!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة