المنفيون يعيشون على القمة

الخميس، 24 أبريل 2008 02:11 م
المنفيون يعيشون على القمة
إعداد ديرا موريس عن جريدة لوموند الفرنسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أن الأحداث الأخيرة التى عاشتها مصر من إضرابات ومظاهرات ضد ارتفاع الأسعار كانت لها أصداء فى الصحافة العالمية، ومنها الصحافة الفرنسية، حيث نشرت جريدة لوموند فى عددها الصادر فى 22 أبريل تحقيقاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المصريون حالياً فى ظل غلاء المعيشة وأزمة الغذاء التى تشهدها البلاد وردود أفعال الشعب الذى بدأت تثيره هذه الأحداث.
اختارت لوموند لهذا التحقيق عنوان "فى القاهرة، يعيش الفقراء على القمة"، مشيرة بذلك إلى الفقراء الذين يعيشون على أسطح منازل القاهرة وعالمهم الذي يسعون فيه لمواجهة صعوبات الحياة التى أصبحت تفوق قدرتهم على الاحتمال، بشتى الطرق. فها هم مثلاً أشخاص أطلقوا الحمام فى السماء وقت التفتيش حتى لا يراهم المسئولون الذين جاءوا للتأكد من خلو الأسطح من الدواجن المسببة لمرض إنفلونزا الطيور. ويقول واحد من هؤلاء الأشخاص معتذراً: "لا نملك الإمكانيات الكافية لشراء اللحوم أو الأسماك سوى مرة واحدة فى الشهر، ولذلك لن يضار أحد من أكل حمامة أو اثنتين من وقت لآخر، إلى جانب الفول أو الأرز". وتتساءل الجريدة: "أليس هذا الأمر على الأقل أفضل من لحوم القطط والكلاب التي كان يبيعها الجزارون فى بولاق، والذين تم إلقاء القبض عليهم أخيراً؟".
ثم تذكر الجريدة ظاهرة أخرى لم تعد جديدة على المجتمع المصرى، وهى العائلات التى تأتى من الصعيد، "وتمرر بقشيشاً لبواب إحدى العمارات لتتمكن من الصعود إلى سطحها متى جاء الليل (...). وفى أفضل الظروف، ينجح البعض فى توصيل سلك إلى العشة التى تمكن من بنائها فوق سطح العمارة للحصول على بعض الكهرباء (...). وفى معظم الأحيان، لا يملك هؤلاء الأشخاص شيئاً، لا نوافذ، لا مياه، لا كهرباء.. وبالطبع يوجد القليل جداً من الموارد". وتعلق الجريدة على هذه الأمور قائلة: "لا يشكل الفقر الذى يغرق فيه 40% من ثمانين مليون شخص، هم عدد سكان مصر، ظاهرة جديدة على هذه الأرض، التى تمثل مساحتها ضعف مساحة فرنسا. إلا أنه، منذ عام أو اثنين، أصبح عدد الفقراء فى تزايد ملحوظ، وتتسع الفجوة التى تفصل بينهم وبين الآخرين. ومنذ الارتفاع الحاد فى أسعار المواد الغذائية الأساسية، لم يعد الكثيرون يستطيعون حتى "أن يأكلوا". وفى الوقت الحالى، ينام الكثيرون من بين ملايين الفقراء، على ضفاف النيل، بالقرب من محطة القطار، أو فى وسط القبور.

لقد اندلعت المظاهرات بسبب الارتفاع الشديد فى أسعار الخبز والزيت والأرز والألبان. وشهدت مصر عدداً من الإضرابات، فاشتعلت المحلات وخربت المنشآت العامة، وتم القبض على المئات من الأشخاص، وارتفع كذلك عدد الجرحى. إنها ليست الثورة، ولكن من ميناء الإسكندرية إلى مقابر وادى الملوك، مروراً بأسطح القاهرة، يشعر الجميع بالغضب".

ثم تطرح الجريدة تساؤلاً جديراًَ بالتفكير: "هل انتهى شعور اللامبالاة الشهير الذى يتميز به أبناء النيل؟ ويعتقد الكاتب الساخر بلال فضل: "إذا شعر المصريون أن وجودهم نفسه أصبح مهدداً، فسوف يتحركون". إن المشاجرات التى تضاعفت خلال الشهور الأخيرة أمام مخابز العيش التى تبيع الخبز المدعم والتى تسببت فى وفاة حوالى 15 شخصاً، أصبحت تثير القلق. فهنا، فى مصر، "العيش" هو "العيشة" نفسها.. فمصر هى الدولة العربية الوحيدة الذى يستخدم فيه لفظ "عيش" للتعبير عن المعنيين "الخبز والحياة".
وفى بداية أبريل الحالى، أعلن الرئيس مبارك الذى أشرف على الثمانين، الذى يتولى رئاسة مصر منذ 27 عاماً، قرار تجميد الضرائب على استيراد القمح والحبوب وزيت الطعام والخضراوات. ثم تم إعادة تنظيم عملية توزيع الخبز فى محاولة للحد من الفساد العام. وزودت الحكومة الدعم ومنعت تصدير الأرز. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأسعار فى ازدياد مطرد، ولا أحد يعلم متى ستتوقف.
ومن ناحية أخرى، عقدت الجريدة مقارنة بين "المنفيين فى القمة"، وهو الوصف الذى اختارته لسكان السطوح الذين يتكدسون بالعشرات فى هذه الأماكن ويلعب أطفالهم بين غابات من أطباق الدش المزروعة بين عششهم، وشخصيات رواية "عمارة يعقوبيان" الذين كانوا يعيشون على سطح هذه العمارة فى وسط البلد، مشيرة إلى أن الحياة على السطوح أفضل، إذ يقول أحد شخصيات عمارة يعقوبيان: "إذا كنت اليوم فقيراً فى مصر، من السهل أن يسير الناس فوقك".






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة