السياسة دخلت الخدمة:

الحملة الأمريكية "لتسييس" دورة بكين الأوليمبية!

الثلاثاء، 22 أبريل 2008 01:02 م
الحملة الأمريكية "لتسييس" دورة بكين الأوليمبية!
بقلم سعيد وهبة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرة أخرى السياسة نزلت الخدمة فى دورة الألعاب الأوليمبية، ومرة أخرى أمريكا تستغل الرياضة كأداة ضغط سياسية لتشويه سمعة الصين الدولية! ومرة أخرى تقود الولايات المتحدة حملة سرية لمقاطعة دورة أوليمبية تقام فى إحدى الدول الشرقية الاشتراكية، وهو ما يعيد إلى الأذهان الحملة التى قادتها لمقاطعة دورة موسكو الأوليمبية عام 1980.
بالأمس كانت الذريعة هى التدخل السوفييى فى أفغانستان، الذى يتعارض ومبادئ الدستور الأوليمبى ومعايير العدل الدولية، واليوم تغيرت الذريعة ورفعت أمريكا لافتة انتهاكات حقوق الإنسان التى تتعارض والميثاق الأوليمبى. الخارجية الأمريكية انتقدت سجل الصين فى مجال حقوق الإنسان من خلال التقرير السنوى الذى أسقط الصين من قائمة الدول الأسوأ فى هذا المجال، لكنه قال إن سجل الصين مازال ضعيفاً فى مجال حقوق الإنسان ويتعين عليها مضاعفة جهودها وإجراءاتها فى هذا الصدد، فى ذات الوقت حرضت أمريكا منظمة العفو الدولية، التى أصدرت بدورها تقريراً يدين سجل الصين فى مجال حقوق الإنسان، مشيراً إلى القيود المفروضة على الحريات الدينية للبوذيين فى التبت والمسلمين شمال شرقى الصين، واستغلال العمالة المهاجرة فى بناء بكين جديدة، واستمرار عمليات القمع والاعقتال بدون محاكمة وكذلك استخدام الموت كعقوبة قانونية، مما أفضى لإعدام ما يزيد على 480 شخصاً فى العام الماضى. التقرير أشار أيضاً إلى قمع الصحفيين وطرد المعارضين من وسائل الإعلام الشعبية الحكومية. وعلى محور آخر حرضت أمريكا الاتحاد الأوروبى، الذى طالب من خلال برلمانه، رؤساء الدول الأوروبية بمقاطعة دورة بكين وعدم حضور حفل الافتتاح فى أغسطس المقبل، كنوع من الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان فى الصين. فى المقابل شن وزير الخارجية الصينى باينج جيشى هجوماً مضاداً على من ينتقدون سجل بلاده فى مجال حقوق الإنسان، واتهم من وصفهم بـ"أعداء الصين" بتسييس دورة بكين الأوليمبية، من خلال عملية خلط متعمدة بين الرياضة والسياسة، بما يتناقص مع مبادئ الميثاق الأوليمبى، التى تمنع الاستغلال السياسى للدورات الأوليمبية.
وزير الخارجية الصينى، اتهم أيضاً أعداء الصين ويقصد الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة استحضار واستخدام عقلية"الحرب البادرة" فى الستينيات، ورفض الاتهامات الموجهة لبلاده باستغلال الدورة الأوليمبية لتغذية الثغرات القومية وتكديس الشومونية بما يتعارض أيضاً مع الدستور الأوليمبى، وكم من الجرائم ترتكب باسم الدفاع عن الدستور الأوليمبى! مشهد الحرب الباردة، التى تشنها الولايات المتحدة على الصين، لا يمكن فهمه بمعزل عن التنامى السريع للصين كقوة اقتصادية جبارة، ولا بمعزل عن التقدم الهائل فى مجال صناعة الصواريخ، فأمريكا مرعوبة من المارد الذى خرج من القمقم والذى سوف تكون الدورة الأوليمبية تدشيناً لدخوله رسمياً كقوة عظمى ثانية وموازية للولايات المتحدة الأمريكية. فسوف تكون الدورة الأوليمبية "فاترينة عرض" لآخر المنتجات الأيديولوجية الصينية، الاشتراكية بمواصفات حديثة، وبقوانين حرية السوق وقواعد العرض والطلب وقيم العولمة، أى أن الصين خلال السنوات العشرين الماضية قد غيرت جلدها وعادت للسباق وفق الشروط العالمية الجديدة ووفق مواصفات الجودة الدولية، أى أنها قبلت نزول السباق بالشروط الأمريكية، فلم تجد أمريكا شيئاً تقوله عن "الورد" إلا حقوق الإنسان.. وإلا استخدام المعايير المزدوجة ذاتها، حقوق الإنسان المنتهكة فى جوانتانامو والعراق وأفغانستان، حقوق الإنسان الأمريكى، من دون أى إنسان آخر! ولا يمكن لأى متابع وراصد للحرب الباردة التى تشنها الولايات المتحدة على الصين، أن يخطئ البصر وألا يرى أمريكا تقود "أوركسترا" كبيرا لتشويه سمعة الصين الدولية باستخدام كل الآلات والأدوات، بما فى ذلك نجوم السينما فى هوليوود، حيث يقوم المخرج الكبير ستيفن سبلبيرج بحملة انتقاد واسعة للصين تحت لافتة "انتهاكات حقوق الإنسان". وهو ما يشى بظهور "مكارثية" جديدة تروع البشرية من الخطر الأصغر، مثلما حدث فى بداية الحرب الباردة أوائل الخمسينيات، حين دشنت "المكارثية" فى دورة "هلسنكى" الأوليمبية، وحين ظهر الجنرال "مكارثى" يحذر أبطال الشعوب المشاركة فى الدورة من "الخطر الأحمر"، ومن التعامل مع فريق الاتحاد السوفييتى، الذى أعلن عن مشاركته لأول مرة فى الألعاب الأوليمبية بعد مقاطعة دامت 40 عاماً منذ دورة استوكهولم عام1912، وكانت المقاطعة فى ظل"الستار الحديدى" الذى فرضه جوزيف ستالين على السوفييت، لتجنب خطر اختلاطهم بالآخر وانتقال عدوى "البرجوازية" إلى الاتحاد السوفييتى. وقبل الدورة بعدة شهور قاد الممثل الشهير بوب هوب حملة" مكارثية" ضد البعثة الروسية المشاركة، وطالب أبطال أمريكا بتلقينهم درساً فى الملعب وأعلن أن الهدف من مشاركة أبطال أمريكا فى الدورة هوـ بوضوح ـ تأديب ستالين وتقليم أظافره وقص ريشه وإعادته إلى حجمه الطبيعى. وهكذا يعيد التاريخ نفسه ولكن بأسماء جديدة وأدوات حرب جديدة وفى ظل شروط وقواعد لعبة جديدة. وهكذا أيضاً تتحول الدورة الأوليمبية إلى ميدان حرب بديلة، فالصين تمثل الحضارة الشرقية فى مواجهة الحضارة الأمريكية، وهذه هى المرة الثانية فى التاريخ الأوليمبى، التى تقام دورة أوليمبية فى دولة اشتراكية والمرة الثالثة التى تقام الدورة فى الشرق، وفى المرة الأولى حين أقيمت الدورة الأوليمبية فى طوكيو عام1964، شهد حفل الافتتاح مفاجأة لا تخطرعلى بال أحد.. فقد صفعت اليابان أمريكا صفعة مدوية هادئة خلال مراسم إبقاء الشعلة فى الاستاد الأوليمبى، حين تقدم شاب يابانى بحمله الشعلة الأوليمبية، وخيم الصمت على المدرجات وأعلن المذيع الداخلى أن "هذا الشاب الذى أمامكم، والمنوط بـإشعال الشعلة، هو مواطن يابانى وبطل استثنائى، فهو الطفل الرضيع الوحيد الذى نجا من قنبلة هيروشيما النووية". وخفقت قلوب المشاهدين على شاشات التلفاز وفى الاستاد الأوليمبى تعاطفاً مع اليابان واسترجعت الذاكرة الجماعية " مذبحة هيروشيما" وسجل أمريكا المخضب بالدماء فى مجال حقوق الإنسان.. كان المشهد وخزة ضمير مثل شكة الدبوس.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة