يجب أن ننوه ـ بداية ـ أن الديمقراطية ليست فقط إتاحة أوسع الفرص للمشاركة فى صناعة القرارات الوطنية وإفساح المجال لتداول السلطة من خلال صناديق الانتخاب وإنماً هى أيضاً أنجح السبل لتحقيق أكبر قدر من التجانس والاندماج فى المجتمع الوطنى .. ولكن يقتضى التفريق بين صيغتين متمايزتين كيفياً من صيغ التعددية السياسية "التعددية بمعنى إفساح المجال لمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسى والفكرى"، من خلال المؤسسات التى تمثلها وتنطق بلسانها وهى التعددية التى لا تتناقض بحال من الأحوال مع وحدة النسيج الاجتماعى الوطنى، بل على العكس من ذلك تعززها وتدفع باتجاه تعميق التجانس والاندماج فى المجتمع، وهذا النوع الإيجابى من التعددية أبرز شروط قيام النظام الليبرالى ولا يتناقض مطلقاً مع الديمقراطية وإنما هو المكمل الموضوعى لها... أما التعددية على أساس فسح المجال لجماعات عرقية أو دينية أو مذهبية أو جهودية فهى تعددية سلبية فيما يتصل بوحدة النسيج الاجتماعى الوطنى ذلك لأنها تعددية تؤصل التجزئة والانشطار والعنصرية والاستئثار بالقرارات الضلالية ... ومن الطبيعى أن يكون للأحزاب السياسية والمؤسسات والنقابات على تعددها وتنوعها أهمية أكبر وأعظم فى المجتمعات التى تسير وفق النهج الديمقراطى والتى تعتمد على التعددية، وتعطى لكل جماعة أو فئة من المجتمع حق وحرية التعبير السياسى عن نفسها والمشاركة بشكل أو بآخر فى النظام السياسى القائم وبالتالى عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بمختلف جوانب حياة المجتمع ... ولكن الذى يحدث فى مصر هو انتهاك لهذه المفاهيم فتحولت النقابات إلى أبواق سياسية لجماعات وفئات وطوائف بعينها بدلاً أولاً من الارتقاء بمهنة أعضائها وتحقيق طموحات وإنجازات على الصعيد المهنى لكى تتوافق مع تحديات المجتمع، وسقوطها واحدة تلو الأخرى فى براثن العمل الأيديولوجى الذى هو بالضرورة من المحظورات داخلها لأنه فقط مرتبط بالأحزاب السياسية الشرعية، وكانت آخر هذه النقابات هى نقابة الصحفيين التى ينتمى إليها خيرة عقول وكتاب صحفيى مصر، فنجدها عبر فئة قليلة لها توجهاتها الأيديولوجية تحول هذا الكيان العريق إلى ساحة للتراشق والاتهامات، وبعدما تحولت سلالمها إلى ساحات للمحاكم وهتك البنيان المهنى عبر فئات تدعى أنها مستقلة وتريد إبعاد النقابة عن سيطرة الدولة ـ كما يدعون ـ نراهم فى حقيقة الأمر لا مستقلين ولا أحرار بل أسرى لأيديولوجيات وطوائف وجماعات سياسية بعينها لها أجندتها الخاصة لتطويع هذا الكيان إلى ناد خاص لهذه الطائفة أو تلك ... ونراها الآن قد منحت مفاتيح أبوابها لقلة ـ للأسف منتخبة ـ تتحكم فى مصير ليس النقابات وأعضائها فحسب، بل فى مصير الحريات بأكملها ... ونلقى نظرة على مشهد جمعة طالبان وأخواتها فما حدث يوم الجمعة الحزينة من واقعة منع المؤتمر الوطنى الأول لمناهضة التمييز، الذى نظمته جماعة "مصريون ضد التمييز" من أعضاء نقابة السلالم ـ الصحفيين سابقاً ـ وطالبان حالياً من منع حتى نقيب الصحفيين نفسه من الدخول هو دليل على إهدار كرامة نقابة القلم، نقابة الفكر، نقابة الحريات، وصارت نقابة يختطفها الطالبانيون والظواهريون والفاشيون بكافة طوائفهم من خلال صناديق الاقتراع، فالغريب أن من قام بهذا الفعل المشين أحد الأعضاء المنتخبين، الذين تسلحوا ببعض العناصر لاختطاف مؤسسة من المفترض أنها حصن الحريات، والذى يؤكد خطابات التجرؤ أن أحد أعضاء النقابة الجليلة المنتخب يتهم البهائيين بأنهم شاذون جنسياً ويقومون بمضاجعة أمهاتهم وأخواتهم، ويتهمون نقيب الصحفيين بالفساد وأنه ليس له ملة، والمزيد فى ذلك المشهد أن هؤلاء "الأشاوس" اعترضوا على حضور مواطنة مصرية تتمتع بمنصب جامعى رفيع لمجرد أنها بهائية مما جعلها لا تحضر المؤتمر الذى استضافه فيما بعد حزب التجمع، فأياً ما كانت أطروحات الدكتورة الفاضلة وأياً ما كانت توجهاتها وأياً ما كان من الصعوبات التى تواجهها هى وطائفتها من العيش بلا شهادات ميلاد ولا أوراق ثبوتية ولا تعليمية ولا عمل ولا زواج .. إلخ، فهل تمثل هذه السيدة وأتباعها الذين يشكلون جزءاً من نسيج هذه الأمة خطراً على الأمن القومى المصرى، أسأل "أشاوس" طالبان وبن لادن والظواهرى وعاكف فى النقابة الجليلة: هل قطاعات من نسيج الأمة كالأقباط والبهائيين واليهود، يمثلون تهديداً، مثلما تمثله حماس التى اختطفت نصف الشعب الفلسطينى واقتحمت حدودنا الوطنية ودعمتها طائفة الإخوان وجمعت لها التبرعات والأسلحة؟، ولذلك فلتذهب صناديق الاقتراع إلى الجحيم، إذا كانت محصلتها "أشاوس" يسرقون نقابة الفكر والحريات وحماسيين يعتقلون نصف الشعب الفلسطينى تحت قصف البارود وحياة الضنك، ألم تؤجر هذه النقابة من قبل قاعتها لمؤتمر يتحدث فيه المرشد العام لطائفة الإخوان عن وثيقة إصلاحه الضلالية؟، وليكن لكم فى طالبان عندما حطموا تماثيل بوذا أسوة حسنة...