•ديكورات "صنع فى مصر"
•قرية حجازة من البطالة إلى التصدير
•أثاث مطعمين فى ميلانو من حجازة
حكاية قرية فى الصعيد الجوانى
قرية حجازة .. قرية فقيرة فى صعيد مصر تابعة لمحافظة قنا، تبعد عن مدينة الأقصر مسافة 20 كيلو شمالا، لكنها ليست فقيرة فى العقول ولا فى الأيدى العاملة ولا فى الطموح. لأن سكانها، وهم حوالى 60 ألف نسمة، جميعهم أيدى عاملة مصرية ماهرة ومتفانية تنطلق بنفسها لتبتكر وتبدع.
كانت حجازة ملتقى القبائل التى تفد من المغرب العربى إلى الحجاز فى الذهاب والعودة، واستقرت بها بعض عشائر قبائل جهينة فسميت بحجازة نسبة إلى الحجاز. القرية لها تجربة خاصة ورائعة فى محاربة الفقر والبطالة والتغلب على بيروقراطية يشتكى منها الكثيرون. فاستطاعت أن تصنع لنفسها اقتصاداً خاصاً محلياً متميزاً.
بداية التجربة
البداية كانت مع مدرسة صغيرة تابعة لجمعية الصعيد للتربية والتنمية، على اعتبار أن التعليم مدخل أساسى للتنمية.. وجدت الجمعية نفسها أمام مشكلة فقر القرية والبطالة التى تنخر كالسوس فى المجتمع المصرى والتى تعطل طاقات هائلة. كان معظم سكان حجازة يشتغلون بالنجارة وأدواتهم موجودة فى ورشهم وفى منازلهم والخشب متوفر بأسعار معقولة. فجاء قرار الجمعية سهلا"، محاولة استغلال الطاقات الحرفية لشباب هذه القرية بهدف رفع مستواهم الاقتصادي. عرض بعض خبراء الجمعية على الشباب مجموعة من الصور لمنتجات خشبية فنية مصرية فرعونية وإسلامية وقبطية موجودة بالفعل فى المتاحف الفرنسية والبريطانية والأمريكية فى أقسام المصريات.
الخطوة الأولى فى طريق الألف ميل بدأت فى عام 1986.. ورشة صغيرة للتدريب على النجارة والنحت على الخشب بها 4 شباب يقلدون حرفياً وبدقة شديدة المنتجات الخشبية الفرعونية.. شيئاً فشيئاً، تزيد المنتجات وتكتسب مزيداً من الجودة .. من ناحية أخرى، يزيد عدد الشباب من 4 إلى 10.. ويأخذ التدريب على الصنعة شكلا دوريا.. فكل 3 سنوات تدخل الورشة مجموعة جديدة من الشباب صغير السن تتعلم فنون حفر وخرط الخشب بأنواعه.
تدور الأيام وتتعهد الجمعية بالمساهمة الجادة فى أمور التسويق، وتقام المعارض الفصلية والسنوية داخل وخارج مصر.. ينجذب مزيد من الشباب إلى المشروع والخبراء يساعدونهم على اكتساب الخبايا الفنية للحرفة و"تفنيش" المنتجات بشكل أفضل.
ذهبت إلى معرض قرية حجازة السنوى بمقر جمعية الصعيد للتربية والتنمية بالظاهر.. منتجات القرية الخشبية موجودة فى معرض بسيط ومرتب وجميل يشرف على تنظيمه عدد من أبناء القرية.. يستقبلون ضيوفهم فى ترحاب وسرور وفخر بمنتجاتهم. تقول السيدة زينب جمال إحدى المترددات على المعرض سنويا: "المعرض جميل جدا وأنا أشترى من المعرض سنويا .. كل عام فيه أفكار جديدة وشغل جديد وأفكار رائعة، لكن المعرض يحتاج إلى الدعاية اللازمة. واجب على الحكومة أن تدعم هذه المنتجات وتسوقها".
الأسعار والخامات المستخدمة
سألت عن سبب غلو أسعار المنتجات، فأجابنى أسامة فهيم (32 سنة) من الجيل الثانى فى القرية: "نستخدم شجر السرسوع فى حرفتنا، وهو من أهم أنواع الأخشاب وله مواصفات خاصة ومميزة. فهو يتميز بجمال الشكل ومطيع للأيدى فى التشكيل، بحيث يصير ناعم الملمس.. وهو كثيف جدا وثقيل، بحيث لو جهز تجهيزا صحيحا لا ينكسر أبدا. نحن نشتريه من كوم أمبو ومن أسوان ويحتاج إلى أماكن واسعة بها تهوية كافية لتخزينه.. وعموما السرسوع غير متوفر فى السوق وسعره مرتفع لأنه يستخدم بكثرة فى صناعة المراكب بسبب متانته الشديدة. ولابد أن يخزن الخشب 4 سنوات ليجف من الرطوبة نهائياً ويكون سهل الاستخدام.. ولأن كل خطوات الإنتاج تتم بطريقة يدوية، يستغرق انجاز منتج معين إلى وقت وجهد كبيرين، ولهذا السبب تكون الأسعار مرتفعة والمنتجات الخشبية على قدر كبير من الجودة".
منتجات حجازة من التقليد إلى الابتكار
يذهب شباب حجازة إلى المتاحف ليس بغرض الفرجة على المقتنيات الفنية فقط، وإنما بغرض اكتشاف طريقة تشكيلها .. فهم يتفرجون على الفن الفرعونى والإسلامى والقبطى ويلجأون للكتب التى تحتوى على صور للفنون من رسومات العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية.. وفى ورشهم يجيدون تشكيل هذه المشاهدات بكثير من الجهد والصبر والمثابرة..
شيئا فشيئا بدأت تتدخل الذاكرة ببعض التعديلات.. العين تلتقط من الطبيعة لتخزن فى الذاكرة، ليخرج على الورق فى صورة أشكال فنية جديدة ومبتكرة.. (وزة.. غزالة ترضع من أمها.. أسماك.. طيور) ثم تطور الأمر أكثر .. استخدام أشكال الطبيعة والحيوانات من أجل تكوين أشكال تصلح للاستخدام الآدمى فى المطبخ أو الصالون أو المكتب: أدوات للمطبخ ذات طابع فرعونى، بدلا من مجرد استخدامها فى الزينة والديكور.. سرفيس كبير أو صغير على شكل سمكة لتوضع عليه السمكة الخارجة من الفرن.. معالق وشوك كبيرة خشبية تنتهى بيد زهرة اللوتس.. بونبونيرة تستخدم للشاى والسكر رأسها على شكل وزة أو غزالة، أو على هيئة سلحفاة.. أطباق خشبية يوضع فيها مختلف أنواع الطعام.. هون خشبى لدق التوابل.. حامل "السخن" (كوستر).. صوان بأيد على هيئة أرانب أو بط.. مركب ورأس غزالة من ناحية وزهرة اللوتس من الناحية الأخرى.. علاقة مفاتيح على هيئة أرانب وسمك وقطط.. تماسيح.. حجرة سفرة بشكل جمالى بديع.. وفى العام الأخير، بدأت المجموعة تفكر فى عمل ألعاب للأطفال جميلة المظهر والجوهر، بما يساعد على اقتنائها..
أجمل ما فى الموضوع هو أن الشباب صغير السن هو الذى يبتكر هذه النقوش، فمثلا توجد غزالة ترضع من أمها من ابتكار كيرلس غالى الذى يبلغ من العمر 18 عاما ويلاقى التشجيع على ابتكاراته وغيره كثيرون: أحمد وإبراهيم وجرجس وأسامة وشايب..
قرية حجازة الآن ..بعد التطوير
الثمار تبدو واضحة بعد 22 عاما من الكد والعمل المضنى.. الحالة المادية للشباب تتحسن، فقد وجد الشباب أخيرا جهة تساعدهم، بعيدا عن مشروعات الحكومة وروتينها الخانق. يحصلون على دعم الخبرات والمساعدة فى تسويق المنتج.. ومن يتعلم من الشباب يهدى خبرته للأجيال التالية..
فى 2006، أقيمت ورشة أكبر للتدريب المهنى على مساحة فدان بالقرية، قدمه مزارع للجمعية مقابل سعر رمزى، تشجيعا ودعما للمشروع، وتخدم الورشة الجديدة حجازة وما حولها من قرى. ويدخل هذه الورشة حوالى 60 متدرباً كل عام.. وخلال عامين تساعد الجمعية المتدرب وتعرض له فى معارضها، وبعدهما يبدأ هو رحلته الخاصة مع نفسه وحسب مهارته.
وتقيم الجمعية المشهرة فى وزارة التضامن الاجتماعى معرض لمنتجات حجازة سنويا فى مقرها 58 شارع القبيصى، الظاهر، القاهرة.. وهو يجذب فئة معينة ذات مستوى ثقافى راق.. قادرة على الشراء وعلى تقدير قيمة الفن اليدوى والجهد المبذول فيه.. وتعرض المنتجات كذلك بمعرض الجمعية الدائم بسوق الفسطاط السياحى بجوار مسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة.
احترسوا من القراصنة المقلدين لخشب "حجازة"
نجار فى المعادى بهره نجاحهم، فقرر أن يدخل فى اللعبة مختصراً جهد 22 عاماً. فبدأ يقلد منتجات حجازة ويبيعها فى القاهرة ويشارك فى معارضهم السنوية بسفارات أوروبا.. المشكلة الأسوأ والأكبر أنه يدعى أنها منتجات قرية حجازة، رغم الفرق الهائل بين منتجات القرية ومنتجاته التى تؤثر سلبا على صناعتهم وحرفتهم التى أجادوها وأبدعوا فيها.. يارب ارحمنا من المدّعين.
لمعلوماتك..
◄ أقام شباب قرية حجازة أكثر من 30 معرضاً دولياً فى الدول العربية وأوروبا وأمريكا بناء على دعوات خاصة موجهة للجمعية.
◄ تقيم سفارات أوروبا فى مصر معارض سنوية قبل أعياد الكريسماس يشارك فيها الشباب بمنتجاتهم المميزة.
◄ استطاع البعض بمجهوده الشخصى عرض المنتجات الخشبية فى فنادق خمس نجوم بالأقصر وشرم الشيخ، فيتم السماح لسكان القرية بعرض منتجاتهم على السائحين فى يوم مفتوح كل أسبوع.
◄ فى أحد هذه المعارض تعاقد رجل أعمال مع أحد الشباب على تصنيع أثاث مطعمين كاملين بديكوراتهم والكراسى والترابيزات بميلانو بإيطاليا.
لو عاوز تعمل ديكور "ستايلش"..
اشتر خشب بيتك من "حجازة" وادع لنا!
الجمعة، 18 أبريل 2008 04:43 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة