لائحة النظام الأساسى للأندية المصرية صدرت مسبوقة بزفة إعلامية بالطبل والمزمار البلدى، مدفوعة بثقافة "التأييد والمبايعة" المزمنة! ولم يقل لنا أحد من المشاركين فى الزفة سبباً مقنعاً لاعتبار اللائحة الجديدة ثورة إصلاحية للرياضة المصرية، بينما هناك أكثر من دليل يجعل اللائحة ردة إلى الوراء، وعملية تأميم مقننة للرياضة المصرية، وإدخالها حظيرة الحكومة.
فاللائحة الجديدة قلصت الهيكل الإدارى للأندية، وألغت منصبى نائب الرئيس وأمين الصندوق، واختصرت مجلسى الإدارة من 11 عضواً إلى سبعة أعضاء وكرست لاستبداد الرئيس وانفراده بالقرار وخصمت من سلطة الجمعية العمومية، وأضافت سلطات جديدة للجهة الإدارية، ويجىء ذلك فى الوقت الذى تتحدث فيه الحكومة وأجهزتها الدعائية، عن الإصلاحات الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية فى الحوار وصناعة القرار، وتشجيع المجتمع المدنى! إذ منحت التعديلات الجديدة الوزير المختص سلطة حل مجالس الإدارات التى لم تقم بتنفيذ سياسة الجهة الإدارية أو توجيهاتها أو ملاحظاتها! علماً بأن مجلس الإدارة يفترض أن ينفذ السياسة التى يضعها هو تحت إشراف ومراقبة الجمعية العمومية دون تدخل الجهة الإدارية وإلا تصادم ذلك ومبدأ استقلالية الإدارة الرياضية عن الجهة الحكومية، وهو المبدأ الذى تأسست عليه الحركة الرياضية، من خلال الدستور الأوليمبى "الأوليمبيك شارتر" الذى هو أبوالقوانين واللوائح الرياضية! وسوف تصدر خلال أيام قليلة لائحة الاتحادات الرياضية، وتشمل بنداً يخول للوزير المتخص حل مجالس إدارات الاتحادات حال تراجع النتائج أو تكرار الهزائم الرياضية.
وهذا البند كفيل بإسقاط شرعية قيام الاتحادات الرياضية، لاصطدامها والشرعية الدولية، التى تستمد اتحاداتنا الرياضية مشروعية قيامها من قوانينها الحاكمة! والتى تمنع تدخل أى جهة حكومية "جوفر نمتال بودى" فى سياسات وأعمال الإدارة الأهلية، وإلا أعتبر ذلك انتهاكاً للدستور الأوليمبى، والقانون الأوليمبى وخروجاً عن الميثاق الأوليمبى والحركة الأوليمبية الدولية التى شاركنا فى تأسيسها منذ عام1910.
فالتعديلات الجديدة تشى بأن الإدارة الرياضية باتت إدارة حكومية فى الواقع، وتجعل الإدارة الديمقراطية المنتخبة مجرد شكل وديكور يضاف إلى سائر الديكورات فى المشهد السياسى الديمقراطى العام، وهو مشهد مصنوع بغرض التصدير للخارج وليس الاستخدام ! لقد تحولت المفردات الاستبدادية إلى أدوات قانونية، وإلى لوائح مقننة، وتحولت توجهيات الرئيس إلى سياسة من خلال النص الذى يمنح الوزير سلطة حل مجالس الإدارات التى لم تعمل "بتوجيهات" الجهة الإدارية! فإذا لم يكن هذا النص، دليلاً على تأميم الرياضة وإدخالها حظيرة الحكومة فماذا يكون؟ هناك نص آخر فى شروط الترشيح لعضوية مجالس إدارات الأندية وهو الوارد فى الفقرة (3) من المادة (39) والذى ينص على أن يكون "المرشح حسن السمعة محمود السيرة"! وهو نص استبدادى مانع وغشيم، لطالما استخدمته جهة الإدارة الحكومية فى التنكيل بخصومها، ومعارضيها، الذين باتوا سيئى السمعة والسير والسلوك، لمجرد الاعتراض على سياسة الجهة الإدارية، أو معارضة الحكومة فى الشئون العامة.
هذا النص يشى بأن جهة الإدارة الحكومية، خولت نفسها سلطة كهنوتية وإلهية ربانية، أو سلطة ملائكية أو على أقل تقدير جعلت من نفسها مدرسة للأخلاق الحميدة، تعمل تحت شعار توفيق الدقن الشهير "أحسن من الشرف مفيش"! لقد كان الشرط المانع فى اللائحة القديمة مقصوراً على المرشحين الذين تعرضوا للحبس فى قضايا ماسة بالشرف والأمانة، وبموجب أحكام قضائية باتة ونهائية، وهو شرط مانع وعادل. وحاسم ومحدد لمسألة "حسن ومحمود"! أو لمعيار حسن السيرة ونقاء السريرة! لكن هذا الشرط المانع تم توسيعه، بحيث يشمل الحظر فى التعديلات الجديدة كل من طالتهم أحكام قضائية فى جرائم وجنح مقيدة للحرية، دون تفرقة أو تمييز بين جرائم القتل والاغتصاب وتجارة المخدرات، وبين الحبس فى جنح المخالفات المرورية! وهذا النص يمنع من المنبع ترشيح جميع الناشطين السياسيين و"المشبوهين" سياسياً من دخول مجالس إدارات الأندية والاتحادات، وبحيث يكون الأمر مقصوراً على غير المشبوهين الذين ضبطوا متلبسين بمعارضة الحكومة فى أى وقت من الأوقات! صحيح أن هذا النص لا يمكن إجماله فى واقع الأمر، لأنه يستوجب أدلة وبراهين، يستحيل إثباتها من جهة، ولأن حسن السمعة وحميد السيرة مسألة نسبية وتقريبية وليست من الأمور المطلقة أى التى لا يمكن إطلاقها بأحكام القيمة الشخصية ومعاييرها الخاصة، بينما هى لا يمكن إطلاقها إلا بأحكام قضائية.
إن مجرد استبعاد المرشح بموجب هذا النص غير الدستورى، يعد قذفاً وسباً فى المرشح يستوجب تقديم الجهة الإدارية ووزيرها المختص إلى المحاكمة بتهمة السب والقذف وقلة الأدب! ولهذا فإن الجهة الإدارية التى أصدرته لم تستخدمه قط على الورق، واستبدلت سبب الاستبعاد بعبارة أخرى وهى "لأسباب أمنية"! ومعنى ذلك أن الأمن بات منوطاً بالحكم على سلوكيات وأخلاقيات المرشحين، وبالمعايير الأمنية المصرية، فإن كل ناشط سياسى، له آراء مزعجة للحكومة ومعارضة، يعد بالمعايير النسبية، سيئ السمعة وغير محمود السيرة وغير ممدوح السريرة! وبالتالى فإن المنافقين والمخبرين والمرشدين هم المثل العليا من حيث حسن السمعة والسيرة العطرة! وهم الأجدر بالقبول والترشيح لتقلد مناصب إدارية وقيادة الحركة الرياضية وإطاعة تعليمات وتوجيهات وملاحظات الجهة الإدارية وفقاً لتعاليم وآداب مدرسة الأخلاق الحميدة البوليسية.
التعليمات الأمنية، التى استخدمت كذريعة لاستبعاد العديد من المرشحين لعضوية مجالس إدارات الأندية والاتحادات، كانت سبباً فى صدور العديد من الأحكام القضائية ببطلان انتخابات هيئات رياضية كثيرة بناء على الطعون التى قدمها المرشحون المستبعدون الذين لم يستوفوا شروط "حسن ومحمود" وفقاً للمعايير الأخلاقية الأمنية التى تعتبر معارضة الحكومة قلة حياء، وقلة ذوق وجليطة، وخروجاً عن قانون العيب وأخلاق القرية.. قرية ميت أبو الكوم!
فى العارضة
لائحة تأميم الأندية وإدخال الرياضة الحظيرة الحكومية
الأربعاء، 16 أبريل 2008 09:52 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة