انتهت الانتخابات، وفاز من فاز، وخسر من خسر. لكن مشهد يوم الانتخابات حمل متناقضات كثيرة، منها إعلان الحزب الوطنى عن مشاركة كبيرة فى عملية التصويت، وفى المقابل رفض المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى هذا الكلام، أما أهم ما كان فى المشهد..فهؤلاء البسطاء الذين ذهبوا لإعطاء أصواتهم وخلف كل واحد منهم حكاية .. "اليوم السابع" التقطت هذين العينتين وقامت بحوارهما.
أم صلاح: أعطيت صوتى للزيت والسكر
حاورها بهاء الطويل
تصوير عمرو دياب
منزل متهالك من طابقين بمنطقة الأزبكية، تجلس على الأرض أمامه أم صلاح (65 سنة) وبجوارها جردل مياه، تضع فيه يدها، وتخرجها كل قليل، محاولة إزالة آثار الحبر الفسفورى المستخدم فى الانتخابات، دون أن تعرف أنه لا يزول إلا بعد 24 ساعة، كما تؤكد وزارة الداخلية. اقتربت منها، وقلت:إزيك يا أم صلاح؟، بعد أن عرفت اسمها من إحدى جاراتها. ردت: "الحمد لله يا ابنى".
سألتها: رحتى اديتى صوتك فى الانتخابات؟
أجابت بفزع: "أه يا ابنى والمصحف رحت.. وغلاوة صلاح رحت.. حتى شوف صباعى"، ورفعت إصبعها الملون بالحبر الفسفورى أمام عينى.
حاولت طمأنتها: طيب.. بالراحة يا حاجة انتى خايفة ليه؟
ردت بخوف: "علشان ما تفتكرنيش ما رحتش الانتخابات.. وما تدينيش الزيت والسكر".
قلت لها: لا يا حاجة.. أنا مش من بتوع الانتخابات.. أنا صحفى.
تفاءلت وقالت: "من بتوع الجرايد؟" هززت رأسى لها بالإيجاب. فأضافت: "يبقى تعرف بتوع الانتخابات.. والنبى يا ابنى تقولهم أم صلاح راحت الانتخابات علشان يدونى الزيت والسكر".
سألتها: هو مين اللى قالك على الزيت والسكر؟
ردت بثقة: "الناس بتوع الانتخابات.. كانوا بيعدوا على البيوت وقالوا اللى حايروح الانتخابات حانديله يوم الخميس زيت وسكر.. وأنا والله يا ابنى رحت أنا، وصلاح، ومراته". أم صلاح أخبرتنى بالتفاصيل.. فقبل الانتخابات بأربعة أيام، كانوا يمرون على البيوت ويعدون أهالى الدائرة بالزيت والسكر، فى مقابل أصواتهم، وفى صباح يوم الانتخابات، توجهت أم صلاح وزوجة ابنها إلى لجنة مدرسة الأقباط الكبرى (إحدى لجان دائرة الأزبكية)، وهى لجنة للسيدات فقط، ولأن أم صلاح لا تجيد القراءة والكتابة، دخل معها "واحد من الناس بتوع الانتخابات اللى بيوزعوا الزيت والسكر"، واختار بدلا منها فى بطاقة التصويت، ثم عادت إلى منزلها المجاور للجنة، وجلست فى الشارع أمامه.
سألتها: طب انتى قاعدة ليه كده يا أم صلاح؟
ردت مندهشة من سؤالى: "علشان لو وزعوا حاجة عند اللجنة أروح أنا والعيال ناخد".
أم صلاح أكدت لى أنها تشارك فى كل الانتخابات، لكنها لا تعرف اسم أى مرشح صوتت لصالحه، "والله يا ابنى أنا ماليش دعوة بالانتخابات والحاجات دى. أنا بروح لما يكونوا بيوزعوا فلوس، والمرة دى قالوا إنهم حيوزعوا زيت وسكر، فلازم كنت أروح.. ده إحنا بقالنا أكتر من شهر الزيت ما دخلش بيتنا.. والسكر بنشتريه سايب.. والأسعار مولعة".
سألتها: طب ما تعرفيش مين الناس بتوع الزيت والسكر دول يا أم صلاح؟
وضعت يدها فى صدرها وأخرجت ورقة وأشارت داخلها وقالت: "الناس اللى مكتوبين فى الورقة دى". الورقة كانت عبارة عن قائمة مرشحى الحزب الوطنى الاثنى عشر للمحليات عن دائرة الأزبكية.
عم خيرى أقدم عضو فى الوطنى :البلد بخير.. والأبراج العالية دليل التقدم
حاوره وائل ممدوح وسيد محفوظ
تصوير إيمان شوقت
الساعة تقترب من الثانية ظهرا، استعدادات أمنية مكثفة، جنود الشرطة بملابسهم الرسمية، وآخرون يندسون بملابس مدنية بين المتجمهرين فى انتظار القادم، الذى بمجرد أن وضع قدمه على الأرض، ارتفع الهتاف عاليا "تحيا مصر، تحيا مصر، عاش صفوت الشريف أمين الحزب الوطنى الديمقراطى"، وأقبل صاحب الهتاف على الشريف ليصافحه ويحاول تقبيله. "عم خيرى تحيا مصر" كما يعرفه أهالى قصر النيل، أو خيرى "فالا إيجيبت" كما يترجمها هو للفرنسية لأنه "متعلم"، وحاصل على الثانوية العامة "بتاعة" العدوان الثلاثى فى56 ، كان بطل المشهد أثناء إدلاء الشريف بصوته فى المحليات بلجنة" المدرسة القومية" دائرة قصر النيل. "خيرى تحيا مصر" لم يكن مرشحا فى الانتخابات على قائمة الحزب الوطنى، ولا يشغل منصبا قياديا به، إلا أنه كان يهتف بحماس شديد، ليردد هتافاته المحيطون بأمين الحزب، الذى بدا راضيا عن حفاوة الاستقبال، قبل أن يدخل اللجنة، ويبقى "عم خيرى" معنا مبتسما وهو يحيى "إيمان شوكت" مصورة "اليوم السابع" قبل أن يعدل هندامه ليبدو مناسبا للتصوير. "أنا أقدم عضو فى الحزب الوطنى منذ إنشائه فى 79 وحتى الآن، عمرى 69 سنة"، هكذا قدم نفسه، قبل أن يحكى عن تاريخه المشرف فى الحزب، حيث كان أمينا لشياخة" معروف" من 1985 وحتى1992، ثم عضوا بالمجلس المحلى عن دائرة قصر النيل لدورتين متتاليتين من 1994 وحتى 2002 تحت قيادة "صفوت بيه"، يسكت قليلا ثم يستدرك :"صحيح أنا فى المرتين ما نزلتش الانتخابات على قايمة الوطنى، بس كنت بنجح مستقل وأنضم فورا للحزب، كفاية إن رئيسى يبقى صفوت بيه بنفسه، ونبقى كلنا تحت راية الريس الكبير مبارك" . " الخومينى" هو اللقب الذى أطلقه الناس على عم خيرى،
سألناه: ليه يا عم خيرى؟
فأجاب : "عشان أنا ثورجى.. وبقول رأيى بصراحة.. وما بنافقش حد" ؟
سألناه: ازاى؟
فأجاب: "عشان انا بعارض" .
سألناه: " بتعارض مين؟"
أجاب باستغراب : "بعارض أحزاب المعارضة" .
سألناه : "وليه بتعارضها؟"
أجاب باستغراب أكبر: عشان هى عايزة تثير الفتنة فى البلد، وعشان هى السبب فى كل المشاكل اللى بتحصل زى أزمة المواصلات، وأزمة "رغيف العيش" .
سألناه : "طب وانت شايف المشاكل دى تتحل ازاى؟"
أجاب : "بسيطة.. إن المصريين يقفوا جنب ابن البلد الديمقراطى عشان يستكمل المسيرة اللى بدأها". " عم خيرى " يعدد أفضال الحزب الوطنى عليه، فهو سبب شهرته بين أهالى قصر النيل ومعروف وشامبليون، كما استمد منه قوته و"قلبه الجامد" فى وجه عملاء المعارضة، كما أن الحزب أمّن مستقبل أبنائه، فأكبرهم فى فرنسا" بيجيب دكتوراه لا يعرف فى أى شىء"، ولكنى بتشرف بيها أمام الناس، والثانى يعمل فى يوغوسلافيا فى شركة طيران، أما الثالثة فخريجة تجارة عمرها 21 عاما، ولم تعمل حتى الآن.
سألناه: "ليه يا عم خيرى"؟
فأجاب بحسرة: "ما بقتش بعرف أوصل لصفوت بيه، وبقى آخرى دلوقتى الحاج عبدالعزيز مصطفى عضو مجلس الشعب، وده كبيره تأشيرة مايعة، ما عرفتش أعين بيها البنت".
سألناه: "يعنى الوضع دلوقتى مش كويس؟".
أجاب بحماس: "لأ طبعا البلد بخير، وميت فل وأربعتاشر، والأبراج كتيرة وعالية بالعشرين دور، ودا دليل على التقدم اللى إحنا فيه، واللى يقول غير كده يبقى عميل زى بتوع المعارضة".
موكب أمين الحزب يظهر من جديد فى طريقه للخروج من اللجنة، فيتركنا عم خيرى ويهرول، ليهتف من جديد: "تحيا مصر، تحيا مصر، يعيش أمين الحزب الوطنى، ورئيس الحزب الوطنى، وأمين سياسات الحزب الوطنى، الرئيس إن شاء الله جمال مبارك".
الجميع ينظرون له بدهشة، فيهتف بصوت أعلى: "عاش جمال مبارك، هذا الشبل من ذاك الأسد"، قبل أن يقترب من "صفوت بيه" ويصافحه مرة أخرى ويهمس ببعض الكلمات فى أذنه، ربما تكون لها علاقة بابنته.
تصوير عمرو دياب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة