البابا نفسه طالب بتغييرها منذ 40 عاماً

لائحة انتخاب البطريرك تستعصى على الجميع

الإثنين، 14 أبريل 2008 12:53 ص
لائحة انتخاب البطريرك تستعصى على الجميع
تقرير ـ يوسف رامز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أزمة لائحة انتخاب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية طرحت نفسها من جديد على الساحة الإعلامية، بعد نشر خبر يفيد بأن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية طالب بعض الأساقفة بدراسة تغيير اللائحة، وعلى الرغم من نفى قيادات كنسية للخبر إلا أن القضية أعادت إلى الأذهان المطالب القديمة بتغيير اللائحة الملتبسة التى صدرت فى عام 1957.
المطالبة بتغيير اللائحة أمر قديم جدا، ومن أوائل معارضيها البابا شنودة نفسه، قبل انتخابه بطريركا، حيث عارضها بشدة فى عددى مجلة "مدارس الأحد" الصادرين فى يونيو، ويوليو 1954، أثناء مناقشتها قبل الصدور، فرفض البابا بعض بنودها واصفا إياها بـ "الخروج عن تعاليم المسيح"، ومنذ هذه اللحظة لم يتوقف الجدل حول اللائحة، لكن دون أن يطرأ عليها أى تغيير، ودون أن تعرض على المجمع المقدس لمناقشتها. وفى السنوات الأخيرة أصبح الحديث عن لائحة انتخاب البابا مرتبطا بشكل وثيق بأى أخبار عن تردى الحالة الصحية للبابا شنودة، لأن اللائحة تلعب دورا أساسيا فى إدارة الأزمة المتوقعة عند انتخاب بطريرك جديد، إلا أن المطالع للائحة المنظمة لعملية الانتخاب سرعان ما يكتشف أزمات عديدة فى نص اللائحة ذاته عبر غالبية موادها العشرين. والتباس نصوص اللائحة يتضح أكثر فى الخطاب الذى قدمه الأنبا الراحل غريغوريس أسقف البحث العلمى بتاريخ 13/3/1971 ويقول فيه: "إنى أرى أن اللائحة الحالية لانتخاب البطريرك لائحة خاطئة من ألفها إلى يائها، خاطئة أصلا وفرعا، وأكاد أحكم بأننى أجد أنه من العار على كنيستنا (يقصد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) أن تكون لها فى النصف الثانى من القرن العشرين لائحة كهذه".

وتاريخيا فإن الصراع نشب حول عدة بنود أساسية فى اللائحة أهمها:
أولا: فى الترشيح للكرسى البابوى:
المادة 2 من اللائحة تشترط فيمن يرشح للكرسى البابوى أن يكون من"طغمة" )رتبة( الرهبان المتبتلين سواء كان مطرانا أو أسقفا أو راهبا، وألا تقل المدة التى قضاها فى الرهبنة عن 15 سنة، وعلى ذلك فإن هناك قرابة 1200 قبطى ينطبق عليهم الشرط الأول للترشيح، أما الشرط الثانى والخاص بقضاء 15 سنة فى الرهبنة، فهو شرط تدور حوله تساؤلات عديدة حيث لا يوجد فى الكنيسة القبطية أى إشارات للعمل بمثل هذا المبدأ على مدى تاريخ الكنيسة القبطية الممتد لقرابة 2000 سنة، ويبدو أن هذا الشرط وضع فى ظروف تاريخية خاصة لاستبعاد جيل شباب حركة مدارس الأحد من الترشيح، إبان انتخاب البابا كيرلس السادس (1959) حيث كان كمال رمزى استينو وزير التموين فى عصر جمال عبد الناصر، ضالعا فى مجهودات تعديل اللائحة، وتم إضافة هذا البند لأن شباب حركة مدارس الأحد كانوا الأكثر قربا من الناس، وأغلبهم دخل الأديرة وحظى بشعبية واسعة، إلا أن السلطة لم تكن تعرفهم جيدا ففضلت استبعادهم. ويجب هنا توضيح أنه طوال تاريخ الكرسى المرقسى اعتلى منصب البطريرك 117 بطريرك منهم (43 من غير الرهبان و74 من الرهبان) وبالتالى فانه من غير الثابت أن يكون البطريرك راهبا أصلا. كما أن المقولات المنتشرة فى الكنيسة حول عدم أهلية الأسقف الأيبارشى (المسئول عن خدمة مدينة) للترشيح للكرسى البطريركى هى مجرد مقولات من التقليد، وغير منصوص عليها فى لائحة انتخاب البطريرك.

ثانيا : فيمن ينتخب البطريرك (تكوين المجمع الانتخابى):
المادة 8 تحتوى على شروط فيمن يشارك فى عملية انتخاب البطريرك، ويبدو جليا فى صياغة هذه الشروط قابليتها للالتباس والتداخل بشكل يمهد لأزمة حقيقية غير مبررة، فالمادة تشترط فيمن يشارك بالتصويت أن يكون "معروفا بصادق إيمانه واتصاله المستمر بالكنيسة"، دون أن تقدم المادة شرحاَ لكيفية قياس وتحديد كونه صادق الإيمان، ولا تقدم مفهوما لمعنى الاتصال المستمر بالكنيسة. كما تشترط اللائحة فى الناخب أن يكون من دافعى ضرائب لا تقل عن 100 جنيه فى السنة، (بمقاييس ما قبل سنة 1957)، كما تشترط فى الناخب أن يجيد القراءة والكتابة، أو أن يكون موظفا حكوميا لا يقل راتبه عن 40 جنيها فى الشهر، بمقاييس ما قبل سنة 1957 أيضاً، وهذا معناه أن جميع العاملين فى القطاع الخاص والمهن الحرة من غير دافعى الضرائب ليس لهم الحق فى انتخاب البطريرك. ومن ضمن الفئات التى لها حق الانتخاب أعضاء المجلس الروحى بالقاهرة "غير موجود"، ووكلاء الشريعة فى المدن والبنادر، بالإضافة إلى أعضاء "مجلس الأمة" الحاليين من الأقباط.
هذه المادة يمكن أن نلاحظ من خلالها العديد من النصوص غير المبررة أو المفهومة، والتى انتفت بعض شروطها منذ عدة عقود، وحرمان عموم الأقباط وسوادهم الأعظم من انتخاب البطريرك، وأن أغلب مثقفى الأقباط ممنوعون من التصويت بأمر اللائحة، وإن كان الحال كذلك بالنسبة لمثقفى الأقباط فإنه لا مجال للحديث عن حق المرآة القبطية كاملة الأهلية دستوريا فى الانتخاب. ونلاحظ أيضاً أن المجمع الانتخابى للبطريرك والذى تكون من 7 آلاف ناخب وفقاً للائحة 1942 لم يتجاوز 650 ناخباً وفقاً للائحة 1957 وذلك إبان انتخابات (1959) ارتفع إلى 1200 إبان انتخابات (1971) لكنه من المتوقع أن ينخفض كثيرا فى الانتخابات القادمة نتيجة انتفاء شروط المجمع الانتخابى عمليا.

ثالثا: القرعة الهيكلية:
البند 18 من أكثر المواد المثيرة للاستفهام، حيث ينص على أن تتم القرعة الهيكلية بين الثلاثة الأعلى أصواتا، وفقا للقواعد والتقاليد الكنسية، رغم عدم وجود قواعد وتقاليد كنسية متبعة لإجراء القرعة الهيكلية، حيث إن طريقة القرعة لم تستخدم فى تاريخ الكنيسة الأرثوذوكسية إلا فى حالتين فقط هما انتخاب البطريرك الحالى البابا شنودة، والبطريرك السابق له البابا كيرلس السادس، وفقا لما يذكره الأنبا غريغوريوس وآخرون. كما أن فكرة القرعة الهيكلية غير متفق على صحتها كنسيا، وكانت إيريس حبيب المصرى فى كتابها تاريخ الكنيسة قد شككت فى صحة مبدأ القرعة لأنه، مبدأ يهودى بالأساس، لم يستخدم فى المسيحية إلا مرة واحدة عند اختيار بديل للخائن يهوذا الاسخريوطى. بالإضافة إلى أن القرعة فى المرتين التى أجريت فيهما أتت بصاحب الأصوات الأقل إلى سدة البطريركية، ويحكى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه خريف الغضب، أن القرعة جاءت فى المرتين "بالصدفة" بنفس الرجل الذى كان النظام يرشحه، مما أثار التساؤلات حول تدخل السلطة فى انتخاب البطريرك.

هناك تنبؤات تنتشر حاليا حول بعض أساقفة العموم والرهبان تقول إن أحدهم هو البطريرك القادم، فهل من المنتظر أن تحسم القرعة والتنبؤات انتخابات الكرسى البابوى؟ وإلى أى مدى يمكن لـ "تجمعات القوى" داخل الكنيسة والتى تتنازع الكرسى البطريركى فيما بينها بالإضافة إلى أجهزة الأمن والسلطات السياسية وأصحاب المصالح المختلفة استغلال هذه النقاط، اللائحة الملتبسة والتنبؤات والقرعة فى حسم نتائج الكرسى البابوى القادم؟
الكنيسة لم يبق أمامها إلا أن تعلن بشكل حاسم، هل تنوى تغيير اللائحة استجابة لمطالب العلمانيين والبابا نفسه، أم أنها ستتركها ملتبسة بهذا الشكل لتواجه مصيرها؟






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة