سيناء لها قوانين خاصة لا تعرفها المحاكم، "العُرف" هو الذى يحكم البدو، ومن يرفضه يطرد من القبيلة بلا رجعة، و"الشيخ" هو القاضى، تسرى كلمته على الكبير قبل الصغير، وبهذه الطريقة حكمت سيناء منذ آلاف السنين لدرجة أن الفراعنة أنفسهم لجئوا إلى المشايخ لحماية القوافل وتأمين الحدود.
أحداث كثيرة فى الفترة الأخيرة غيرت من الطبيعة الهادئة لسيناء، حوّلت شبابها إلى خارجين على القانون، وهواة تمرد ولجوء إلى إسرائيل، مما دفع الجهات الأمنية إلى استقطاب 146 بدوياً وتعيينهم فى وظيفة "شيوخ عرب" براتب 500 جنيه شهرياً لكل منهم، ورغم هذا لم تستقر الأمور. فهل نجح الشيخ الحكومى فى أداء دوره، وتحول إلى "جاسوس" للأمن بعد اختياره من الأشقياء، الذين لا ترضى عنهم القبيلة فى الغالب؟ أم فشل لتتكلف خزينة الدولة حوالى مليون جنيه سنوياً ينفقها هؤلاء "الموظفون" دون فائدة؟.
الشيوخ حلقة وصل بين القبيلة والمحافظة
الشيخ "السيد الصوفى" شيخ حكومى لقبيلة العقايلة بمركز بئر العبد يقول: نحن نجلس شهرياً مع المحافظ ومدير الأمن، وجميع الأجهزة الأمنية نتحدث عن مطالبنا وعن مشاكلنا ومعظمها يتم حلها، والمشايخ، يمثلون حلقة وصل بين القبيلة والمحافظة، خاصة أن عدداً كبيراً من البدو لا يفضلون التفاعل مع الجهات الرسمية، ورواتبنا زادت من 150 جنيهاً إلى 500 جنيه شهرياً، كنفقات تنقل وضيافة، وجميع الأجهزة الأمنية تفتح أبوابها للشيوخ وتلبى طلباتهم وهذا أمر "محمود".
التنمية.. الحل السحرى لمشاكلنا
الشيخ "محمد أبوعنقة" من قبيلة الأحيوات بوسط سيناء يقول: المشايخ الحكوميين استطاعوا حل مشكلات عديدة، لكن هناك مشكلات تحتاج إلى تدخل أكبر منا، وهناك شباب لا يمكن إخراجهم من السجون لأنهم مدانون فى قضايا معينة، كما أن الشباب بطبيعتهم متمردون يعتقدون أن الشيخ يضغط عليهم، وأعتقد أن مشاكل البدو تتعلق بالتنمية فى المقام الأول، خاصة فى وسط سيناء، فالتنمية هى الحل السحرى لكل مشكلات المحافظة.
تعيين الشيوخ.. قلل من شأنهم
الشيخ محمد البريرى "المنشد البدوى" وهو أعلى رتبة فى التقاضى العرفى من قبيلة المساعيد، يشير إلى أن كلمة "الشيخ" أحياناً لا تنفذ، خاصة إذا كان شيخاً حكومياً حديث العهد، أو غير مرضى عنه أو مفروضاً على القبيلة، لأن الناس تشعر أنه يخدم الأمن أكثر من خدمة القبيلة، لذلك أحياناً يتم اللجوء إلى العقاب العرفى وهو "التشميس" ومعناه طرد "الشيخ الحكومى" المدان خارج القبيلة، دون أن يكون له حق أو ثأر إذا قتل، كأنه غير منتسب للبدو من الأساس، ويتم توزيع منشور بذلك على كل القبائل، وهناك حالات كثيرة من هذا النوع.
زمان كانت كلمة "الشيخ" تسرى كالسيف، وقد تفشل الحكومة أحياناً فى القبض على متهم هارب فى الجبال، إلا أنه يأتى فى ساعات قليلة بكلمة من الشيخ، لأن هذا هو عرفنا الذى تربينا عليه. ويضيف البريرى: موضوع تعيين المشايخ موظفين لدى الحكومة قلل من شأن كلمتهم وقلل الثقة فيهم.
والحل، كما يراه البريرى، هو اللجوء للشيخ الطبيعى، وعدم تعيين الصغار مشايخ على حساب الكبار، والبعد عن المهربين وعدم منحهم الثقة، واللجوء للعرف البدوى، ومنح الشيخ الثقة من خلال الوفاء بالوعد معه، وعدم استغلاله كوسيلة تعمل لدى الأمن، فقط ساعتها يمكن حال البدو أن ينصلح.
مع التعيين.. الصغير أصبح كبيراً
الشيخ خلف المنيعى "حكيم سيناء" يقول: كان شيخ القبيلة هو الأساس، وكانت كلمته مسموعة، يحاسب المخطئ أياً كان، لكن مع بداية تطبيق نظام تعيين المشايخ تغير الحال، لأن الحكومة اختارت من يدينون لها بالولاء ومن يسمعون الكلام، اختارت موظفين، وتحول الصغير كبير والعكس، وهذه سياسة فاشلة مع العرف البدوى، لأن قيمة الشيخ قلّت، حيث صار موظفاً يقبض نظير عمله، لهذا حدثت مشاكل كثيرة بين البدو، كانت الاعتصامات من مظاهرها، علاوة على عدم الوفاء بالوعد مع كبار الشيوخ، فقد كنا نساعد الأمن فى العلن وهم لم يساعدونا، والحل فى أن تختار القبيلة شيخها ثم يتم تعيينه وليس العكس.
"لا تأثير لهم علينا"
أحد شباب البدو يقول: لا تأثير لمشايخ الحكومة ولا ثقة فيهم، لأنهم يعملون لدى الـ 500 جنيه، التى تمنحها لهم الحكومة، ومصلحتهم فى الحفاظ عليها، لكن هذا لا يعنى أن كل المشايخ الحكوميين كذلك، بل قلة منهم، ولذلك نحن غالباً لا نسمع كلامهم، ونسعى لكسب الرزق بطرق معروفة.. والأمن لا يقدر على الإمساك بنا، لأننا ملوك الجبال، وما نطلبه حالياً هو حل مشاكل الشباب بالفعل، وعدم التشكيك فى كل بدوى لأنه صاحب الأرض وحاميها قبل الحكومة، والتاريخ يشهد بذلك.
الحكومة: "إقامة علاقات طيبة"
مصدر أمنى يقول: إن الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية، حرصت على إقامة علاقة طيبة مع الشيوخ، فنحن نلبى طلباتهم المشروعة، ونقف معهم، لكن للأسف بعض طلباتهم مستحيلة، ومنها الإفراج عن المدانين جنائياً فى قضايا تهريب مخدرات وإرهاب، وهذا لا يمكن أن يحدث، ولا يمكن أن يكون الإضراب والاعتصام بديلاً عن القانون، وقد نصبنا خيمة بدوية فى مديرية أمن سيناء تحت إشراف اللواء منتصر شعيب مدير الأمن، ليحل للبدو مشاكلهم فيها، كما أن الشيخ يخضع لتحريات أمنية مكثفة قبل تعيينه حول سلوكه ومكانته وحالته الجنائية، حتى يثق فيه الأهالى ونحن نجتمع معهم كل شهر لبحث مطالبهم.
الكبار لا يحترمونه.. والصغار لا يطيعونه.. وولاؤه الوحيد للنقود
الشيخ الحكومى.. اختراع أمنى للسيطرة على سيناء
السبت، 12 أبريل 2008 12:41 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة