لم يأت الاحتفال بالروائى الكبير بهاء طاهر من مؤسسة ثقافية رسمية، بعد حصوله على جائزة البوكر العربية".. هذا هو لسان حال جميع من حضر حفل تكريم الروائى الذى أقيم مساء الثلاثاء بنقابة الصحفيين، وشارك فيه عدد من الكتاب الصحفيين والأدباء الشباب، بينما تخلف عن حضوره كل أبناء جيله!
وإذا كانت علامات الاستفهام ارتسمت على وجوه الحضور حول سبب تجاهل وزارة الثقافة لهذا الحدث، فسرعان ما انتقلت إلى نقاشات حفل التكريم، وأطلق بعضهم "قفشات" على ذلك التجاهل. وذلك لأن الحفل قام بتنظيمه تجمع ورقة وقلم الثقافى بالتعاون مع نقابة الصحفيين، فى غياب تام من المؤسسة الرسمية، أو حتى إضفاء شرعيتها على فعاليات الحفل.
فى البداية تحدث الكاتب مكرم محمد أحمد عن بهاء طاهر قائلاً إنه "إنسان هادئ الطباع، دائماً ما يرسل ابتسامة لمن يقابله، ولكن من يقترب منه يكتشف كتلة الصراعات التى يجسدها بهاء، فهو دائم البحث عن الاختيارات الصعبة، التى كلفته أثماناً إنسانية باهظة فى سبيل الإيمان بها". مضيفاً أنه "حلق بالرواية فى آفاق رحبة، واستطاع أن يجعل من الإنسان والإنسانية همه الخاص، ومن ثم طرح قضايا تتعلق ـ فى مجملها ـ بأسئلة الارتقاء الإنسانى".
إبراهيم عيسى، الذى أدار اللقاء، قال إن جيل الشباب وحده احتفل ببهاء طاهر، فى غياب الدولة وأجهزتها الثقافية الرسمية، "وهو ما يرضينى شخصياً" لأنه يعكس حالة من التواصل بين روائى عظيم فى قامة بهاء طاهر، وبين جيل الشباب الذين يدينون له بالحب والامتنان.
عيسى ذكر أن قراءته لرواية بهاء الأخيرة "واحة الغروب" والتى فازت بالبوكر، تعكس جهداً بحثياً كبيراً قد لا يتوفر فى الكثير من كتاب العالم العربى، وحتى روائى فى قامة جابرييل جارثيا ماركيز وقع فى مغالطات تاريخية فى روايته "الجنرال فى متاهة"، حيث "أمات أناساً فى روايته، وأحيا من مات" بينما لم يتخبط بهاء فى هذا المعترك.
ثم عرض تجمع ورقة وقلم فيلماً تسجيلياً قصيراً، يضم مقاطع للروائى الكبير ويعرض فيه لتجربته الإبداعية.
استقبل بهاء طاهر كلمات الحضور بحالة من الرضا، انعكست على تعبيراته وكلماته، التى قال فيها إن ذلك الحضور الشديد من جانب الشباب رده لبداية عمره، وأرجعه إلى شبابه، بل إن طاقته فى الحياة زادت كثيراً بسبب "الحضور الشبابى". وتحدث عن تجربته مع "فعل الكتابة" قائلاً إن مسودة إحدى رواياته جاءت بحجم أهم أعمال تولستوى "الحرب والسلام"، لأنه يعيد "غربلة" أعماله قبل نشرها، ويراجعها مراراً قبل الدفع بها للنشر.
أما رواية "واحة الغروب" ـ والكلام لا يزال على لسانه ـ فقبل أن يبدأ فى كتابتها قرأ فى كل العصور: (الفرعونى والرومانى والإسلامى)، بل إنه دخل فى تفاصيل الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى والفرنسى على مصر، بحيث حاول "تضفير" مادة خام تصلح للرواية.
وتحدث الروائى سعد القرش عن موقف بهاء طاهر من أبناء جيله باعتباره تخلصاً من "عقدة الغيرة من المبدعين" فهو ـ مثلاً ـ أكثر الذين تحدثوا عن رواية "تغريدة البجعة" لمكاوى سعيد، الذى ترشح أيضاً للبوكر، وهو ما يعكس حالة الصفاء النفسى والتخلص من أمراض الأدباء.
ألقى بلال فضل الضوء على تجربته مع رواية "نقطة النور"، والتى كان قد شرع فى كتابة سيناريو لها قبل وفاة الفنان الكبير محمود مرسى، ولكنه انتهى من السيناريو وعرضه على الفنان نور الشريف الذى قرأ الرواية مرات عديدة وناقشه كثيراً فى السيناريو وأبدى إعجابه بالعمل.
بلال أرسل كلمات "تبكيت" للحكومة قائلاً إن القيادة السياسية ربما تطلق اسم بهاء طاهر على أحد ميادين المحروسة، أو تمنحه جائزة مصرية عظيمة، كما عهدنا بتعاملها مع المثقفين والكتاب، أسوة بما بالقرار الذى اتخذته تجاه إبراهيم عيسى، وهو إعفاؤه من حكم السجن!