يبدو أن أزمة الحجاب فى تركيا لم تستكمل كل فصولها بعد، فبالرغم من موافقة البرلمان على السماح بدخول المحجبات إلى الجامعات، إلا أن التطبيق لم يكن، ويبدو أنه لن يكون، بتلك السهولة التى تصوروها.
فأول أيام دخول المحجبات إلى الجامعات شهد استقبالاً صاخباً، ضم مظاهرات وعرائض من كل نوع وتجمع للأساتذة ورفض للتعليمات الجديدة. باختصار, إنها الفوضى فى العديد من الجامعات التركية التى فتحت أبوابها للطالبات المحجبات مع بدء النصف الثانى من العام الجامعى.
فى جامعة بوغازيشى فى اسطنبول، هتف نحو مائة طالب ـ الأربعاء ـ "نعم للحجاب لا لمؤيدى منعه"، علماً أن هذه الجامعة هى المؤسسة العامة الوحيدة التى استقبلت منذ زمن طويل الفتيات المحجبات.
لكن السماح بالحجاب فى التعليم الجامعى عقد حياة الطالبات اللواتى يرتدينه، وذلك بعدما وافق عليه البرلمان التركى بناء على اقتراح الحكومة المنبثقة عن الحركة الإسلامية وأصدر الرئيس عبد الله جول قراراً فى شأنه نهاية فبراير. وعلق سعيد أوزتورك, الطالب فى علم الاجتماع الذى تضامن مع زملائه بارتداء حجاب إسلامى, "جراء النزاع السياسى الذى وقع أخيراً حول الحجاب، أجبرت نساء محجبات على مغادرة الصفوف بعدما أساء أساتذة معاملتهن".
وإذا كانت جامعات عدة ـ خصوصاً فى الريف التركى ـ وافقت على استقبال طالبات محجبات، فإن نظيرات لها أعلنت بوضوح أنها لن تطبق التدبير الإصلاحى، رغم التحذيرات الصادرة من رئاسة مجلس التعليم العالى تحت طائلة عقوبات جزائية.
وأوضح بعض رؤساء الجامعات أنهم لن يطبقوا الإجراء الجديد قبل صدور مرسوم تفصيلى يلحظ استثناء رموز الإسلام المتطرف، مثل التشادور أو النقاب.
وثمة مخاوف لدى المدافعين عن العلمنة، النافذين فى صفوف الجيش والسلطة القضائية والجامعات، من أسلمة تدريجية لتركيا ذات الغالبية المسلمة فى ظل نظام علمانى.
ومن المعارضين للحجاب فى الجامعات اوندر اوزتورك الذى يدرس تاريخ ثورة مصطفى كمال أتاتورك ـ أبو العلمانية ـ ويرأس اتحاد الشباب التركى ـ فرع اسطنبول، وهى منظمة طلابية تضم نحو عشرة آلاف منتسب، وقد بادر إلى تنظيم العديد من المظاهرات وأطلق عريضة فى الجامعات رفضاً لما اعتبره "هجمات خطيرة" للحكومة "على مبادئ الجمهورية".
وقال "من وجهة نظر تاريخية، تشكل الجامعات معقلاً للجمهورية. أنها تمثل العلم والتنوير والحداثة وعليها أن تواصل أداء هذه المهمة"، واضعاً أمله فى حكمة المحكمة الدستورية.
والواقع أن المحكمة قبلت ـ الخميس ـ النظر فى طعن يطالب بإلغاء التدبير الإصلاحى، تقدمت به المعارضة الاشتراكية الديمقراطية.
واعتبر عالم الاجتماع فرحات كنتل من جامعة بيلجى الخاصة فى اسطنبول والتى استقبلت الطالبات المحجبات، أن مخاوف الأوساط المتمسكة بالعلمانية تظهر تزايد القلق من خطر أسلمة حقيقى.
وقال الباحث "استناداً إلى الدراسات التى أجريت، فإن الفتيات اللواتى يؤيدن الأسلمة ويردن فرض سلوكهن والتحول جزءاً من مشروع سياسى لسن سوى أقلية"، مؤكداً من جهة أخرى أن "غرق الجامعات فى بحر من الفتيات المحجبات أمر غير وارد".
وأضاف "خلف الحجج (التى تناهض الحجاب)، اعتقد أن ثمة خوفاً من فقدان شكل معين من الهوية التركية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة