أضطر يومياً إلى أن أسلك الطريق الدائرى حتى أصل للجريدة. وفى نظرة طويلة تبلغ حوالى 40 كيلومتراً هى مجموع ما أقوده فى الذهاب أو العودة اليومية، لم أتذكر يوماًً ما أننى خرجت على هذا الطريق دون أن تمر عيناى على حادثة أو اثنتين أو أكثر حسب درجة رعونة السائقين وميعاد خروجى أو عودتى.
فى الصباح مقطورات تترنح أمامى يميناً ويساراً حاملة مكعبات ضخمة من الرخام المسنودة ببراميل حديدية فارغة، لا أدرى إن كانت ستمنع انزلاق الحجر من عدمه، أو أجولة من الأسمنت الداكن، خمنت ذلك من تناثره على زجاج سيارتى، مما جعلنى أشغّل مسّاحات المطر، أما إذا كانت سيارة رمل، وشاء حظى العاثر أن أسير وراءها بضعة أمتار، فإننى أعترف لكم بأننى أقوم بضرب أسنانى "واحد فرشة" عند وصولى إلى أول محطة أرضية، والواقع أن الرمل تتسلل ذراته داخل فمى لأن الدنيا حر وشبّاكى مفتوح وتكييفى القديم لا يعمل. وأجد نفسى أسير كالنائمين مغناطيسياً وراء السرسوب الأصفر الذى يمر من فتحة صغيرة فى مؤخرة الناقلة العملاقة.
وفى المساء أسير عدة كيلومترات دون أن أجد أى فانوس مضاء، لأن الدائرى العبقرى يضئ فى الصباح وينطفئ فى الليل. وفجأة وبدون مقدمات، يذهب ضوء القمر وتتوه النجوم وتزداد رائحة السولار: السواد دامس. أين أنا؟ أنا حشوة سندوتش بين ثلاث سيارات نقل، اثنتين من اليمين واليسار وواحدة من الأمام. ستر ربنا أننى مريت بسلام. وبعد ثلاثة كيلومترات، يتوقف الطريق. الآن، فى الثانية عشرة مساء؟ لقد انقلبت مقطورة تحمل مواسير صلب ضخمة وانزلقت بعرض الطريق وأغلقته. إنقاذ؟ شرطة؟ مطافى؟ لا أحد من هؤلاء. بل ربنا وهمة الرجالة.
ويتدافع أبناء سيرك الدائرى أمامى، الكل يريد أن يمر قبل الآخر: الديناصورات (المقطورات)، والأفيال (الأتوبيسات) ثم الأسود والنمور (الميكروباص والنصف نقل) وأخيراً القرود (البنى أدمين). هذا أمين شرطة يتغاضى عن الحزام بعلبة سجائر، وهنا ضابط يلتهم الهامبورجر القادم من المحل الشهير الذى فتح أبوابه أخيراً، لزوم تأمين المرور فى المكان، وسيارات مهلهلة تجىء وتذهب دون إشارات مضيئة، وسيارات نقل تحمل أنفاراً مكدسين كالحيوانات، وهذا وذاك يجرى هنا وهناك ليلحق أو لا يلحق بميكروباص. والكون كله بيدور وإحنا وياه بندوخ. (مع الاعتذار للأغنية)
نكتة دائرية
-ها.. الحمد لله.. الحمد لله..
-إيه يا بنى إيه اللى حصل؟
-أصلى النهارده عدّيت الدائرى من عند كارفور...