تطوير العمل بجامعاتنا يتطلب معايير علمية للجودة بما يعنى جودة تنظيم مدخلات عملية التعليم من طلبة وأساتذة وموارد تتبعها جودة العملية التعليمية بهدف إخراج طلاب علم نابهين، هذا الكلام النظرى يتولى مسئولية تحقيقه على أرض الواقع الوزير ذو المنصب السياسى، والوزير السياسى يأتى بأفكاره ممن أتوا به إلى كراسى الوزارة، نعم كراسى الوزارة فللوزير أكثر من كرسى وأكثر من مكتب يجتمع عليها بلجان التطوير، ولجان التطوير تتكون من خبراء متخصصين أغلبهم من أهل الثقة ممن يقولون آمين وينتظرون رضا الوزير ليرثوا مكانته وقدراته السياسية، من أجل هذا الطموح السياسى تأكل اللجان أفكارها العلمية وتمشى مع الحركة الرائجة، يقولون هذه إرادة الله ثم إرادة الوزير، القليل من أعضاء اللجان ينتظرون تحويل أفكارهم العلمية إلى خطط وأساليب عمل، لكن الخطط والأساليب والتكتيك والاستراتيجية مرهون وجودها بتوقيع الوزير، والوزير مشغول بالتواجد فى أماكن الرضا الإعلامية، هكذا تدور حلقة انهيار نظامنا التعليمى بين الوزير واللجان المتخصصة.
فى كل أسبوع وشهر وسنة، تقام فى بلادنا احتفالات لإنشاء مؤسسات تعليم حكومية أو خاصة، بعضها يتبع خفارة شرقية أو سفارة غربية، وبعضها تديره حكمة "خالتى زهرة" أو خبرة "عمّو سيد"، هكذا يتردى أولادنا حيارى فى الالتحاق بـ"محلات علم" تنتشر بين شقق غير صالحة للسكن وبين مبان ضخمة تصلح للفنادق المتواضعة، ومع تعدد "محلات التعليم" تتعدد اتجاهات أصحابها وتفقد الأمة شخصيتها القومية المتميزة.
صحيح أن دول العالم تعيش فى قرية صغيرة نتيجة ثورة الاتصالات، إلا أن التمايز بين الأمم سيبقى أمرا طبيعيا ومطلبا إنسانيا أيضا، فحركة التاريخ الإنسانى تبقى وجود أمم تحافظ شعوبها على هويتها القومية فى الإمساك بزمام العلم والتكنولوجيا، وتنهى وجود أمم تتنازع شعوبها سياسات تعليم تتناثر بعيدا عن انتمائها القومى.
كل مؤسسات التعليم فى بلادنا، تخضع لإشراف هامشى مدفوع الأجر، مؤسسات التعليم العام تخضع لمناورات سياسية ضيقة لأحزاب غير واضحة المنهج تخترق توجهاتها كثيرا من ثوابت تواجدنا القومى والحضارى، ومؤسسات التعليم الخاص يمتلكها أفراد يخترقون كثيرا من القوانين المالية والاجتماعية، ينتهزون الفرص للإمساك بسلطة يديرون بها عقولنا، كلها مؤسسات تدين بالولاء لمن يملك صوتا أعلى فى سوق التجارة بوعينا القومى، هكذا تتحول "خصخصة" التعليم إلى تجارة الخاسر فيها كل أفراد الأمة.
إن مهمة الحفاظ على هويتنا القومية انتماء ووجودا، تتطلب فحص توجهات كل مؤسسات التعليم فى بلادنا وإخضاعها لفاعلية الرقابة والتقييم على أسس موضوعية تتجاوز التوجهات السياسية أو الحزبية لهذا الوزير أو ذاك، توجهات توضع أسسها فى دستور واضح لا تتأثر ملامحه بتغير وزير أو بنقل خبير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة