هناك سؤال جدير بالنقاش، رغم أنه لا توجد إجابة بسيطة بنعم أم لا ... هل الدين يساعد الديمقراطية أم أنه يعوقها؟ ذلك أن الكثير بشأنه يعتمد على السياق، فليس من الممكن حتى تقسيم ديانات العالم الكبرى إلى فئات محكمة الحدود كديانات داعمة للديمقراطية وأخرى محايدة، وثالثة تضعف آثارها الديمقراطية، إذ تشمل جميع الديانات على مجموعة من النزعات المتنافسة.
فتاريخياً نلاحظ أن الديانة تؤيد الحق الإلهى للملوك وتؤيد فى الوقت نفسه المذهب الجمهورى القائم على المساواة ونجد فى وقت واحد فى إطار دين واحد جماعات ذات نفوذ تعمل على دعم نظام حكم مستبد، بينما تخاطر جماعات أخرى بحياتها لحماية معارضى هذا النظام أو فضح انتهاكاته ... ويمكن القول بأن ديناً يتقبل فيه المؤمنون دون تساؤل الحقائق التى تأتيهم من بعض المفسرين القدامى، سيكون أقل بعثاً للروح الديمقراطية من نفس الدين الذى تخضع فيه بعض المسائل والخلافات التفسيرية والتأويلية للنقاش، طبعاً بما لا يتنافى ولا يتعارض مع الأصول والأساسيات الخاصة بهذا الدين وعقيدته، والأهم من ذلك ستكون العلاقة بين الدين والدولة أوثق وأكثر رحابة وبلا عداء ..
وما نشاهده على ساحة التفسيرات والتأويلات والجدل الدائر حول ما صرحت به الدكتورة زينب رضوان أستاذ الفلسفة الإسلامية ووكيل مجلس الشعب من أن شهادة المرأة تساوى شهادة الرجل، باستثناء حالات محددة، يؤكد أن هناك خللاً ما فى بعض التفسيرات التاريخية لبعض النصوص القرآنية اعتدنا على التسليم بها دون نقاش لأن أناساً عبر التاريخ نكن لهم الاحترام أقروها ... وجاءت زينب رضوان لتحرك هذا الساكن وتحيلنا ـ وبأسانيد علمية وفقهية ـ إلى صحة ما تقوله وأنه لا يتعارض على الإطلاق مع القرآن الكريم ونصوصه ... وما يؤكد ذلك انقسام العلماء أنفسهم بين مؤيد ومعارض، وهذا يعنى أن هناك مساحة للنقاش وأن التفسيرات التى كانت شائعة عبر التاريخ الطويل لم تكن دائماً صائبة ومستندة لروح النص القرآنى، فكما أشار الدكتور حمدى زقزوق الأستاذ بجامعة الأزهر سابقاً ووزير الأوقاف إلى أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فى مسألة واحدة فقط نص عليها القرآن وهى حالة استدانة الأموال وإقراضها... وقال إن الفقهاء جعلوا من هذه الحالة المحددة قاعدة شرعية تم تأكيدها بأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ـ وهذا كلام غير صحيح ـ وليس له أى أساس فى الإسلام ..وأضاف بأن للقاضى الحق فى أن يأخذ شهادة امرأة واحدة ورجل واحد ...... بل والأكثر من ذلك فقد كان من المعلوم بحكم التداول التاريخى أن المرأة ترث نصف الرجل، ولكن اتضح أن القرآن الكريم لا يقول بذلك حسب الاعتقاد السابق، ولكن توجد 4 حالات فقط حددها المشرع بينما توجد أكثر من 30 حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو تعادله فى الميراث ... إذن نحن هنا أمام تحدى هائل وهو ضرورى لتصحيح المفاهيم الموروثة عن بعض الفقهاء القدامى.. اللافت أيضاً أن يصرح رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان الدكتور رشدى أبو زيد بأن النظرة إلى شهادة المرأة يجب أن تختلف عن السابق، حيث تغيرت الظروف المصاحبة لتحجيم قبول شهادة المرأة فى مجالات متعددة، فالمرأة الآن درست أصول وأسس الإدارة العامة والمالية واستطاعت تأسيس مبادئ ونظريات فى تلك المجالات من خلالها لنشر ثقافة النجاح فى كل الأعمال، وقال من الخطأ الواضح تجاهل شهادة المرأة فى المسائل الجنائية وعدم الاعتداد بها وضرورة أن يصدر تشريع يناقش تلك القضية ويحسمها، وأشار إلى أن التشريع الإسلامى له جوانب عظيمة يجب أن يدركها الفقهاء وهى تتمثل فى مسايرته للعصر، ويجب ألا نجعل نقطة بسيطة مؤاخذة من أعداء الإسلام الذى يتربصون بالدين ويثيرون مزاعم باطلة بأنه يعادى النساء مع أن الإسلام هو الذى كرم المرأة ... إذن نحن أمام تفسيرات متعددة وتأويلات متنوعة وهذا لا يتنافى أو يتناقض مع النص أو الأصل القرآنى، ولا يندرج عليه ما يردده البعض من أنه "لا اجتهاد مع النص"، فكل المؤشرات تؤكد أن النص بيّن وواضح ولكن تفسيراته وتأويلاته هى التى تحتاج إلى تجديد وابتكار وتفاعل مع البيئة الاجتماعية الراهنة ... والسؤال: إذا كانت هناك من الشواهد والتفسيرات الفقهية ما تؤكد ما توصلت إليه الدكتورة زينب، فلماذا لم يبادر أى من علماء الدين منذ عقود طويلة للتعرض إلى هذه القضية، خاصة أن العقود الأخيرة شهدت محاولات عديدة لتمكين المرأة وتفعيل مشاركتها فى العمل العام ... فلماذا صمتوا كل هذا العقود حتى آتتنا هذه المبادرة من سيدة حاولت اختراق هذا الواقع المريض والساكن، حتى أنها كادت أن تذهب ضحية لتفسيرات تآمرية، منها أنها تغازل الغرب وجماعات حقوق الإنسان، وغير ذلك من التهم المعلبة جاهزة التصنيع ... وتغازل رجال السلطة الذين يفسرون النصوص حسب أهوائهم، كما اتهمها الداعية الإسلامى ـ صاحب أكبر نصيب من رفع الدعاوى القضائية على المفكرين والكتاب ـ ألا وهو يوسف البدرى ... فهل ما حدث بالفعل يندرج تحت ما يسمى فوضى الفتاوى، أم أنها محاولات جادة لتجديد وتطهير أفكار وتفسيرات ماضوية اعتدنا التسليم بها دون مناقشة أو تحليل، تاركين لأناس من بشر يحللون ويفسرون لنا، وعندما يجىء أناس آخرون يصححون تلك الفتاوى بأسس علمية وأسانيد منطقية نتهمهم ببث الفوضى ...
إن بالفعل من يسىء للإسلام هم من يحتكرون لأنفسهم حق التفسير بذهنياتهم هم وبقناعاتهم هم وبأفكارهم هم ... مرسخين مبدأ نفى الآخرين وحقهم فى الاجتهاد وتصحيح ما أتلفه بعض السلف القديم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة