حازم منير

يحدث فى مصر الآن

الأربعاء، 26 مارس 2008 11:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما هى واحدة من اللحظات الصعبة التى تمر بها الدولة المصرية ، أو أنها واحدة من أصعب لحظات الاستحقاق الشعبى والتى يطلق عليها مرحلة الإصلاح الاجتماعى.
أهمية المسالة تكمن فى أن الدولة المصرية التى قررت خوض غمار برنامج الإصلاح الدستورى و السياسى، مطالبة الآن بالتعامل مع تداعيات هذه الخطوة.
فهذا الإصلاح وأن انحصر فى تعديل نص هنا او هناك فى الدستور أو فى القوانين، إلا أن تداعيات ومردود ذلك يمتد إلى متغير مهم فى ثقافة الناس وأدواتهم للتعبير.
ومن المنطقى ان تبدأ المطالبات الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية ، خصوصا وأن واحدة من تجليات سياسة الليبرالية الاقتصادية ، تدهور اوضاع نسبة كبيرة من السكان ، يقابله زيادة الرغبة فى تلبية الاحتياجات.
وفى بلاد العالم الحر لاتقف فكرة الليبرالية عند حدود تحرير الاقتصاد ، وإنما تمتد إلى تفعيل دور الدولة وفقا لمفهوم التوازن فى كافة المجالات والملفات، وتنوع أساليب وأدوات الضغط ، وعدم قصرها على فئة فى المجتمع دون غيرها .
ومشكلة حكوماتنا المتعاقبة أنها عرفت من الليبرالية التحرير الاقتصادى ، وجانباً من التحرير السياسى، متجاهلة تماما فكرة توازن القوى المجتمعية.
فى المجتمعات الحرة تتوازن المعادلة بأطراف محددة لايمكن تجاهل احداها وهى ـ على سبيل القطع ـ القوى المنتجة فى مواجهة المستهلك بكل انتماءاته الاجتماعية ، وأدوات الملكية وقدرة الاستثمار فى مواجهة الاتحادات والنقابات.
ولأن الأوضاع فى مصر لم تسر فى هذا الاتجاه فقد اختلت المعادلة وانفرد جانب واحد من أطرافها بمقاليد الأمور، فدخلت البلاد فى أزمة تلو الأخرى، دون أن تجد الحكومة مفراً من إعلان عدم مسئولياتها طبقاً لمفهومها عن اقتصاد السوق.
والحكومات المحترمة لاتتدخل فعلا بقرارات إدارية لتوجيه السوق، لكن أدواتها البديلة الحقيقية هنا هى معادلة توازن القوى بين الأطراف المختلفة، فإذا غاب طرف اختلت المعادلة وخضعت الحكومة للجهة الأقوى، فيختل التوازن المجتمعى وتفشل الحكومة فى ملاحقة الموقف، وتصحيح المسار.
وحكوماتنا تجاهلت تماما القطب الأكبر والأهم فى المعادلة، وهو الجانب الشعبى المتمثل فى جماعات منظمة قادرة على ممارسة الضغط فى مواجهة المستثمرين والمنتجين، وهو ما تسبب فى توجيه الناس سخطهم من الأزمات على الحكومة دون ممارسة دور فى مساندتها أو مواجهة المستفيدين من الأزمات.
أخشى ما أخشاه، حين تتبين الحكومة الأمر، أن تجد نفسها أمام البديل الوحيد والممكن، وهو أسلوب تقليدى فى التعامل مع الازمات كان صالحا فى زمن مختلف.
المؤشرات والدلائل تقول إن الحزب الوطنى الحاكم وهو مقبل على انتخابات المحليات( رغم سهولتها) بدأ يتبرأ من سياسات الحكومة ، ويعلن انتقاداته الحادة لها ولتداعياتها ولأدائها وقدرتها على تسيير الأمور.
ولعل العديد من التصريحات لقادة فى الحزب وتحركات رموز له فى مجلس الشعب فى الآونة الأخيرة تشير الى هذا الاتجاه، حتى تتحمل الحكومة المسئولية وينجو الحزب بنفسه ، ويصبح التغيير الحكومى هو البديل.
كان متاحا قبول هذا التصرف فى مراحل وحقب وعهود مختلفة ، أما الآن ومع الثقافة الجديدة التى بدأت تترسخ فى وجدان وذهنية المواطن المصرى، فمن الصعب للغاية اقتناعه بذلك باعتباره بداية لحل الأزمات التى يواجهها.
لقد كتبت قبل شهرين فى صحيفة "روزاليوسف" عن عام الإصلاح الاجتماعى ومصاعب هذه المرحلة وتباينها الواضح عن سهولة الإصلاح الدستورى والسياسى.
وقلت وقتها إن تلبية احتياجات الناس لاتتم فقط بزيادة الأجور لأن السياسات المطبقة ستؤدى إلى التهامها، ولا يوجد أمام الحكومة سوى سبيل العمل الأهلى المنظم لتعظيم دور وقوة الطرف الغائب فى المعادلة الليبرالية.
القضية إذن أن تبرؤ الحزب من سياسات الحكومة لن يحقق الهدف، وأن تحميل الحكومة المسئولية وتغييرها لن يحقق الهدف ايضا، وستظل الأزمات تتوالى إذا ظل الطرف الأساسى غائبا ، وظلت القوى الشعبية لاتملك سوى التعبير عن سخطها.
وقتها فقط سيصبح التعبير عن السخط هو الخطر الحقيقى والذى ستتضاءل بجانبه أخطار القوى الفاشية المعادية لليبرالية والقادرة فى الوقت ذاته على الانقضاض لحصد الثمرات والنتائج.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة