تنفرد "اليوم السابع" بنشر مقتطفات من المسودة النهائية للتقرير السنوى للمجلس القومى لحقوق الإنسان لعام 2008. ومن المقرر أن يصدر التقرير فى شكله النهائى خلال أيام حاملاً 5 توصيات رئيسية بشأن الاعتقالات والتعذيب فى أقسام الشرطة والحريات العامة وقانون مكافحة الإرهاب المقترح والمواطنة.
ترصد مسودة التقرير 7597 شكوى ومظلمة وصلت إلى المجلس فى الفتره من عام 2007 وحتى نهاية فبراير 2008.
فى مقدمة التقرير يبدو وكأن المجلس يبرر لهجته الحادة وغير المسبوقة ورغبته فى أن يكون أكثر فاعلية، مؤكداً إدراكه لطبيعة دوره الاستشارى ومشيراً لما أسماه ( طموح) أن تكون رسالته أكثر تفعيلاً. وأن تتعاون معه كافة سلطات الدولة ذات الصلة بالشأن الحقوقى.
ويلفت إلى ما شهده العام الأخير من تجاوزات ومخالفات على صعيد الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والتى طالت فئات واسعة من الشعب باتت تعانى من شظف العيش وأزمات الغلاء والبطالة والسكن والخدمات الصحية. كما يعلن أيضاً قلقه من وقائع تعذيب وأفعال منافية للكرامة الآدمية تعرض لها مواطنون فى بعض أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز. مما أدى لوفاة بعض الأشخاص ويكمل: ولئن كانت وزارة الداخلية قد أحالت بعض ضباط متهمين بالتعذيب إلى جهات التحقيق وبادرت بمساءلة البعض تأديبياً فإن تكرار هذه الوقائع أمر خطير ومثير للقلق يهدد شعور الفرد بالانتماء وينال من كرامته الآدمية، وأولهما ليس فى صالح الوطن وثانيهما ليس من أخلاق الأمة.
لافتاً إلى ما طالب به المجلس فى تقريريه السابقين حول هذا الموضوع من ضرورة التصدى لهذه الأفعال من خلال استراتيجية شاملة تعتمد على منظومة تشريعية ذات صلة بجريمة التعذيب وهو المطلب المتكرر للمجلس والذى يشير إليه للمرة الثالثة ويتوافق مع ما يطالب به نشطاء حقوق الإنسان فيما يتعلق بإحداث تعديلات تشريعية تشدد من عقوبة التعذيب.
الحد الأدنى لمعاملة السجناء
ويشير المجلس أيضاً فى مقدمته إلى السجون وأماكن الاحتجاز وضرورة تحسين الظروف المعيشية للسجناء. ورغم أنه لا ينكر بعض(التيسيرات) التى أقرتها وزارة الداخلية كزيادة زيارة المسجون لمرتين شهرياً إلا أنه لا زالت هناك سجون تحتاج للحد الأدنى من الاهتمام. كما يعانى المساجين من ظاهرة التكدس والإغلاق الجزئى لبعض السجون والحرمان من الزيارة.
وبينما يحيى المجلس مبادرة النائب العام لتفعيل النصوص القانونية بالتفتيش على أماكن الاحتجاز والتحقيق فى بعض المخالفات فى هذا الشأن, قدم التقرير قسم شرطة المنتزه كأحد النماذج لما أسماه (مخالفات صارخة). حيث أشار لوجود آلات تعذيب واحتجاز أشخاص غير مقيدين بالسجلات. وتأتى التوصيات لتطالب بتفعيل أكثر للإشراف القضائى على السجون. ولحين الأخذ بهذا النظام فإنه يطالب بتفعيل نصوص القانون التى تعطى هذا الحق لأعضاء النيابة والقضاء وأن يشمل هذا كافة أماكن الاحتجاز أياً كانت الجهة التى تتبعها.
مطاردة الصحافة
وعلى مستوى حرية الرأى والتعبير فإنه يرى أن التعديل التشريعى الخاص بإلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر لم يكن على قدر التطلعات إذ ما زالت هناك أفعال كثيرة يعاقب عليها بالحبس فى مجال ممارسة حرية الرأى والتعبير.
حبس الصحفيين والدعاوى القضائية كانت أيضاً أحد ملفات المجلس فى تقريره حيث يعلن عن: قلقه الشديد وتخوفه الأشد من أى تراجع عن حرية الصحافة وحرية الرأى مع الشواهد الكثيرة على هذا ومنها إحالة الصحفيين للمحاكمة والإسراف فى رفع الدعاوى القضائية عليهم والتى بلغت نحو 500 دعوى فى العام الماضى فقط وكذلك حجب المواقع الإلكترونية. ويرى المجلس ما يحدث أنه ضيق بالمساحة التى اكتسبتها حرية الرأى والتعبير ولم يفت المجلس فى مقدمة تقريره السنوى أن يشير لوثيقة الإعلام المزمع صدورها والتى وصفها بأنها (تقييد لحرية البث الفضائى) وأنها تستدعى إجراء حوار مجتمعى حولها للوصول إلى معالجة حقوقية وقانونية دقيقة ومتوازنة قبل التسرع فى إضافة قيود جديدة تهدر حرية الإعلام.
مكافحة الإرهاب.. قيود جديدة
استمرار حالة الطوارئ وقانون الإرهاب الجديد ملف آخر، أشارت إليه مقدمة التقرير حيث تحدث عن ألا يكون القانون: استصحاباً للوضع الحالى تحت مسمى جديد. ولذا فإنه يطالب ويلح على إجراء مزيد من الحوار المشترك حول كافة المسائل والجوانب التى سيتضمنها. وطرح مشروع القانون على المجلس فى إطار التوافق المجتمعى ومطالباً فى التوصيات بعرض المشروع على المجلس لمزيد من تحقيق التوازن المطلوب للحفاظ على أمن المجتمع وكفاله حقوق وحريات المواطنين.
ويضيف المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مقدمته الساخنة تحذيراً بألا يكون القانون: أداة جديدة لإهدار حقوق وحريات المواطنين أو الانتقاص منها
ولذا فأنه يطالب بأن يتضمن: ما يكفل لطمأنة الرأى العام والمثقفين خاصة مع ما يثار من التوسع فى تجريم أفعال التحريض على الإرهاب والأعمال التى يخشى أن تمثل تفتيشاً فى النوايا والضمائر قبل أن تعد ملاحقة لأفعال.
الاعتقال ملف آخر ساخن يتناوله التقرير، مشيراً إلى أن استمرار وتكرار اعتقال أعداد ليست قليلة من المواطنين أياً كان انتماؤهم الفكرى أو السياسى هو أمر يزيد من حالة الاحتقان فى المجتمع. كما أن المعالجة لبعض المخاطر والمخاوف فى منطقة سيناء لم تخل من تجاوزات وتعميم فى استخدام رد فعل عنيف لا يتناسب مع موجباته .. وكمل ملف الحريات بالإشارة إلى إحالة المتهمين للمحاكم العسكرية فيما اعتبره مخالفة لما ينص عليه الدستور المصرى والمواثيق الدولية فى حق المتهم أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى وأنه رغم ما يمثله التعديل التشريعى الذى أتاح الطعن فى الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية إلا أن واقع إحالة المدنيين للقضاء العسكرى ما زال يعتبر محلاً لانتقاد شديد داخلياً ودولياً بوصفه مخالفة للمبادىء الدستورية والمواثيق التى وقعت عليها مصر.
مواطنون لا رعايا
المواطنة وما ترتب على مؤتمر المواطنة الذى عقد بالمجلس هو ملف آخر، أشار إليه المجلس فى مقدمة تقريره باعتبارها إحدى القيم الدستورية الأساسية، بينما جاء فى التوصيات النهائية للتقرير حاملاً عنوان: العمل على ترسيخ وتعزيز مبدأ المواطنة وترجمة المادة المنصوص عليها فى المادة الأولى من الدستور المصرى. وتضمن ثلاثة مطالب أساسية. أولها إجراء مراجعة تشريعية شاملة لتعديل أى قوانين بها شبهة التمييز بين المواطنين على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو الطبقة أو الانتماء السياسى. بل وطالب بضرورة إصدار قانون لمناهضة التمييز وتجريم كافة ممارساته التى لا تخضع حتى الآن لتعريف قانونى واضح.
ويؤكد المجلس فى مطالبة صريحة هى الثالثه له بأهمية حذف خانة الديانة من الأوراق الثبوتية أو عدم الاقتصار على الديانات السماوية الثلاث كضمان لمكافحة التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المعتقد.
المعاناة الاقتصادية والاجتماعية بسبب البطالة وما ترتب عليها أيضا من هجرة غير شرعية خلال عام 2007، أيضاً أضيفت لقائمة توصيات وإشارات المقدمة بالإضافة لمجموعه الحقوق الأساسية الأخرى كحق التعليم والسكن والعلاج.
الشارع يستغيث
داخل التقرير والذى ينقسم لعدة أبواب يحتل باب الشكاوى المساحة الأكبر، حيث يتم تصنيف الشكاوى الواردة والتى بلغت خلال العام الماضى ما يزيد على سبعة آلاف شكوى وتصنيفها حسب الحقوق المدعى انتهاكها جاء كالآتى: الشكاوى المتعلقة بالحقوق الاقتصادية حوالى 2825 مثلت نسبة 42%، بينما الشكاوى المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية حوالى 2156 بنسب 32.3%، بينما حوالى 2148 من الشكاوى خارج اختصاصات المجلس وتتعلق بشكاوى خاصة بنزاعات بين أفراد أو بالتضرر من أحكام قضائية وحوالى 165 شكوى تتعلق بانتهاك حقوق أصحابها أثناء وجودهم خارج مصر للعمل أو للدراسة.
الردود على الشكاوى ـ وحسب ما ورد فى التقرير ـ يسجل تفاعلاً جيداً خاصة ردود الوزارات الخدمية كالصحة والتعليم ووزارة التعليم العالى، بينما رفضت وزارة التعليم العالى بعض شكاوى أولياء أمور فى إعادة النظر فى نتائج امتحانات أولادهم.
الحكومة..لا ترد
بينما كان رد الحكومة بشكل عام على التقارير السابقه للمجلس وكما جاء فى التقرير الأخير فى أربعين صفحة والذى أوضحت فيه الحكومة ـ على حد قول التقرير ـ حرصها على متابعة تقارير المجلس بهدف دراسة أبعادها وتحليل نتائجها بل وعبر الرد الحكومى عن سعادته بالتقرير الثانى للمجلس الذى لم يكتف برصد السلبيات بل أشار أيضاً إلى المجهودات التى بذلتها الحكومة ورصد الرد عدداً من الإنجازات الحكمية فى مجال الحقوق الأساسية للإنسان فى مجالات عدة كالتعليم والصحة والحقوق الاقتصادية وأيضاً فى مجال تعزيز العلاقة بين المواطنين ومؤسسة الشرطة ورفع كفاءة الجهاز الإدارى ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
و أبدت الحكومة عدداً من الملاحظات لما أورده التقرير السابق للمجلس ومنها
حالة الطوارىء واستمرارها والتى أشارت الحكومة إلى أنها فى سبيل استبدالها بقانون الإرهاب فى خطوة تهدف فى المقام الأول إلى وضع القوانين الاستثنائية فى أضيق نطاق لها.
عدد آخر من الردود تبدو فى صورة تطمينية أكثر منها حاسمة ولكن تظل الفقرة الأخيرة فى الرد الحكومى هى الأسخن لكونها تبدو وكأنها رسالة واضحة للمجلس القومى وهى كما وردت فى النص: وبالطبع لا يغيب عن المجلس دوره الاستشارى وأن قراراته غير ملزمة وهى سمة لا يختلف فيها عن غيره من المؤسسات الوطنية فى أى مكان فى العالم وفق المعايير الدولية، كما لا تغيب عن المجلس طبيعة الصعوبات التى تواجهها الحكومة لتحقيق التوازن بين الأمن والحريات.
ردود سياسية ونهاية حكومية لا مواربة فيها: قدموا تقاريركم ونحن نقرر ما يمكن أن نفعله.
اليوم السابع تنفرد بنشر مسودة تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان
"القومى لحقوق الانسان"..توصيات ساخنة لكثير من التجاوزات
السبت، 22 مارس 2008 09:45 م
الدكتور بطرس غالى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة