يندد الإخوان المسلمون بالمحاكمات العسكرية لعناصرهم، وهذا حقهم، وينحاز الناصريون لمعركة استقلال القضاء، وهذا حقهم أيضاً!. لكن الذى ليس من حق هؤلاء، وهولاء، أن ينسوا ما فعلوه، ويقفزوا على تاريخهم، ولا يستغفرون لذنوبهم، وهى مثل زبد البحر!. الإخوان لم ينددوا بالمحاكمات الاستثنائية، إلا عندما كانوا هم ضحاياها، والناصرون لم ينحازوا لاستقلال القضاء، إلا عندما خرجوا من القصر الجمهورى، وسعوا للالتحاق بصفوف الجماهير. فى بداية الثورة المباركة، تقرر إنشاء المحاكم الاستثنائية، لمحاكمة ما سمى برموز العهد البائد، وصفق الإخوان لهذه الخطوة الجبارة، كما تقرر حل الأحزاب، والعودة لنظام الحزب الواحد، وأيد الإخوان أيضاً هذ الخطوة، واعتبروا النظام الجديد هو الأقرب لحكم الإسلام، الذى يرفض الحزبية والتحزب. وإذا عرف السبب بطل العجب، كما يقولون، فقائد الثورة المفدى، كان بما فعل يسعى لأن يكون الزعيم الأوحد، فتفتق ذهنه عن إزاحة الجميع، حتى تعن الوجوه له، فلا يسمع إلا همساً، وكان الإخوان يرون أن المحاكم الاستثنائية، ستنصب لخصومهم، وإن قرار حل الأحزاب سيجعلهم ينفردون بالشارع، إذن من الواجب أن يؤيدوا جمال عبد الناصر فى القرارين، ويساندوه. وصدر القرار من مكتب الإرشاد، أو الهيئة التأسيسية للجماعة -لا أذكر - بالإجماع، ولم يعكر صفو هذا الإجماع الفتاك إلا اثنان، أحدهما توفيق الشاوى، فقد ارتفعت أصواتهما منددة بالقرار ولم يهتم بما قالاه أحد، وكان أن رددا القول الخالد "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". وقد كان، فلأن زواج المتعة، هو فى قاعدته زواج مؤقت، ومحدد المدة، فقد انتهت مرحلة الزواج بين عبد الناصر والإخوان، وتم حل الجماعة، والزج بالإخوان إلى السجون، وتقديمهم للمحاكمة أمام محاكم عسكرية، كانت هى المهزلة، بشحمها ولحمها، والتى كانت تصدر أحكامها بالإعدام، فى وقت سريع، وهو كلمح بالبصر. اللهم لا شماتة، ولكن عظة وتذكيراً، فقد علمتنا دروس التاريخ أن من أعان ظالماً سلط عليه. أما فى الجانب الثانى الخاص بانحياز الناصريين لقضية استقلال القضاء، فقد كان من الملاحظ أنه فى مرحلة نضال القضاة من أجل استقلالهم، أن الناصريين فى صفوف المعركة.. منحازون ومباركون، وفى مظاهرات التأييد رفعت صور الزعيم الملهم، لدرجة أننى فكرت أن أكتب مقالاً، أجعل عنوانه "أنزلوا صورة هذا الرجل". بيد أنى خشيت أن أكون فى حكم من تخصصوا فى ضرب الكراسى فى "الكلوبات"، جمع كلوب!. فصاحب الصورة المرفوعة هو من ناضل من أجل إدخال القضاة فى بيت الطاعة، وإخضاعهم للاتحاد الاشتراكى، وهو صاحب مذبحة القضاة الشهيرة، والتى يعلقها الناصريون الآن فى رقبة السادات. لا بأس فكل التصرفات السيئة فى العهد التليد ينسبونها لآخرين، فالتعذيب كان يقوم به آخرون من وراء ظهره، وتأميم الصحافة، ومذبحة القضاة، قام بهما آخرون من أمام ظهره، وهم بذلك يسيئون لصاحبهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. ومهما يكن الأمر، فإذا كان لا يليق بالإخوان أن ينددوا بالمحاكم العسكرية الآن بعد موقفهم السابق، فلا يليق بالناصريين أن يرفعوا صور عبد الناصر فى معركة استقلال القضاء، إلا بعد الاعتذار عن المذبحة الشهيرة. إن القوم مطالبون بأن يعترفوا بذنوبهم، فقد ورد فى الأثر أن من أقر بذنبه غفر له ربه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة