استمعت دون أن أقصد إلى الحوار التالى بين اثنين يجلسان على دكة بالحديقة الملحقة بالمبنى:
الرجل لصديقه: غداً فى المساء أذهب إلى منزل أهل ليلى حبيبتى لأخطبها منهم..ادع لى أن يكلل مسعاى بالنجاح، وألا أصادف أى عثرات غير متوقعة. قال الصديق: عثرات مثل ماذا؟ قشرة موز مثلاً تكسر رجلك فتقعدك ثلاثة شهور بالسرير؟ رد غاضباً: "لا يا خفيف"..عثرات يعنى طلبات مبالغاً فيها، أو كأن يرفضنى أهلها مثلاً لأن ابن عمها أولى بها منى.
سأله صديقه: وهل لها ابن عم ينافسك فى حبها؟ قال: ليس لها أبناء عمومة من الأساس ولكنى غير مطمئن. سأله صديقه متعجباً: تقول إنه ليس لها ابن عم و مع هذا تخشى أن يخطفها ابن عمها منك؟. قال وقد أوشك صبره على النفاذ: ماذا حدث لك؟ كنت زمان تفهمنى قبل أن أفتح فمى بالحديث، والآن ترهقنى بتفسير كل جملة.. برأيك ماذا تخالهم قد يطلبون منى لتعجيزى وصرفى عن مطلبى بطريقة "شيك"؟. أجاب الصديق: من الممكن أن يطلبوا منك ألف ناقة من النوق العصافير من أرض الملك النعمان. قال: والله أنا لم أذهب فى حياتى لأبعد من أرض على خليل بالعباسية.. أما أرض الملك النعمان فأنا أعرف أنها فى القطامية لكن أين بالضبط.. لا أدرى.
قال الصديق متعجباً: أرض الملك النعمان فى القطامية؟ يبدو أنك تتحدث عن أرض الملك سليمان أو الملك المغربى! فرد: ولماذا قد يطلب أهل ليلى ألف ناقة أنثى، لماذا لا يطلبون ألف بعير ذكر؟ قال الصديق: يمكن لأنهم يدركون أن البنات ألطف الكائنات، ثم إن أهل ليلى خلفتهم كلها بنات، لهذا قد يتحيزون للنوق على حساب البعير!. قال: على العكس.. إن خلفتهم للبنات قد تجعلهم أكثر تقديراً للذكور وافتتاناً بهم. قال الصديق: ربما كحل وسط ولعدم تعقيد الأمر قد يطلبون المهر على شكل قافلة من الجمال المُرد؟ قال: وكيف يمكن يا ناصح فرز الجمل الأمرد من سواه.. أرجوك لا تضع على لسانى كلاماً لم أقله..أنا فقط أسايرك فى افتراضك المجنون لأن حماتى أولاً لا تملك ساحة تكفى لإيواء ألف ناقة، ثم إننى لست عنترة بن شداد ولا حبيبتى هى عبلة ابنة مالك. قال الصديق: عندك حق، إن أحداً لم يعد يطلب اليوم مهراً من هذا النوع، لكنى أريدك أن تكون مستعداً للمفاجآت، لأنهم قد يطلبون عوضاً عن اللحوم الحية، شحنة ضخمة من البلوبيف الذى يسهل تخزينه ولا يحتاج لأن يأكل أو يشرب أو يخرج إلى الخلاء. قال: عم تتحدث؟ قال الصديق: عن البلوبيف..أم أن البلوبيف لديكم يأكل ويشرب و..؟ قال: هل تريد أن تدفعنى للجنون؟ إن البلوبيف خارج الموضوع تماماً.
قال الصديق: ربما كنت على حق، و لكن هناك شيئاً لم يخطر لنا على بال..حبيبتك اسمها ليلى..ألا تظن أنهم قد يبحثون لها عن قيس؟ قال: ما زلت مصراً على إغاظتى..متى كان أهل ليلى العامرية يوافقون على تزويج ابنتهم من قيس، لو كان الأمر كذلك لما هام على وجهه فى الصحارى وما كان قد فقد عقله ولقب بالمجنون. قال الصديق: إذن قد يزوجونها ورداً..ألم تتزوج ليلى من ورد؟ قال: لا ورد ولا فل، ولو سمحت لا تُقحم الأزهار فى حديثنا. علق الصديق: وماذا لو كان أهل ليلى ينتوون تزويج ابنتهم من ياسمين. قال: وهل هناك رجل اسمه ياسمين يا مجنون؟ قال الصديق: هناك رجل باكستانى أعرفه اسمه ياسمين خان..ربما كانوا يفكرون فيه. قال: لو مضيت فى حديثك عن رجال بأسماء زهور فسوف أنهى هذا الحديث على الفور. قال الصديق: أوكيه لا مزيد من الزهور، و لكن لو كانوا يريدون تزويجها من رجل باكستانى فلن يجدوا خيراً من رجل اسمه فيروز محبات، أو نسرين جواهر، أو جنات مختار. قال: من الذى أتى على سيرة رجال باكستانيين يا خرب العقل يا مخرف، ثم إن كل الأسماء التى أسلفت ذكرها هى أسماء سيدات فهل تريد أن تزوج خطيبتى لواحدة ست؟ قال الصديق: بل هى أسماء رجال و الأمر ليس كما يبدو لنا، ومع هذا فأنت لم تخبرنى.. من أى جنسية تنوى حبيبتك أن تتزوج؟ قال: يا مثبت العقل والدين، سوف تتزوج من رجل مصرى هو أنا، و سوف أتقدم لخطبتها اليوم وأنا أسألك أى هدية أشتريها لها؟. قال الصديق: خذ سُباطة بلح سمانى..يقال إنه رسول طيب بين العشاق. قال: لا أظن أن البلح السمانى يستطيع أن يحمل حبى ويضعه على أعتابها، لكن ربما كان البلح الأمهات يستطيع! فوافق الصديق قائلاً: إذاً خذ بلح أمهات، ثم استدرك متسائلاً: و لكنك لم تخبرنى كيف ستتمكن من الخروج من هنا من أجل إتمام إجراءات الخطوبة.. هل ستقفز من السور مثلما حاولت الشهر الماضى و كادت عنقك أن تدق لولا ستر ربنا أم ماذا؟
قبل أن يحصل على إجابة كانت عصا التومرجى الرفيعة قد نالت من كل منهما و هو يصيح: اجمع كل المجانين..كله يدخل العنبر..الفسحة انتهت..عنبر العيش يسمع الكلام، لا أحد يسبب لى متاعب مثل عنبر العيش.
اقتربت من التومرجى بحذر خشية أن يظننى نزيلاً و يلسعنى بعصاه وسألته عن ماهية عنبر العيش ومعناه، فقال السيد التومرجى الذى يسوق المرضى فى مصحة الأمراض العقلية بالعصا: هؤلاء يا سيدى هم الذين فقدوا عقولهم فى طوابير العيش فى كل أنحاء مصر، يتم تجميعهم فى هذا المكان، حيث يعكف خبراء وأساتذة من كبار الأطباء على دراسة الموقف، ذلك أن جنون العيش قد استشرى و ينذر بكارثة.
خرجت من المستشفى وبى شغف للعودة حتى أعرف ماذا سيفعل الرجل حتى يتمكن من الخروج ويذهب إلى حبيبته طالباً يدها ومعه قرطاس من البلح الأمهات، قبل أن يسبقه الخليجى عنترة العبسى أو الباكستانى فيروز مُحبات!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة