الوضع المحير والدامى فى غزة

الثلاثاء، 11 مارس 2008 09:59 م
الوضع المحير والدامى فى غزة
إعداد: كاميليا رزق الله عن الإيكونوميست

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الجولة الأخيرة من القتال المندلع فى غزة بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية دليلاً على كيف تدفع الصدفة إلى انفلات الوضع خارج حدود السيطرة. فقد تصاعد تبادل إطلاق الصواريخ بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حد تاهت فيه الأسباب والنتائج والأفعال وردود الأفعال واندمجت، لتوجد على أرض الواقع سلسلة لا متناهية من الأحداث المتبادلة. وكان يمكن لهذه الأحداث أن تتوقف لو أن صواريخ القسام البدائية لم تقتل إسرائيلياً فى بلدة سيديروت، وهو أول مدنى يسقط ضحية لمثل هذه الهجمات المتكررة التى بدأت فى مايو الماضى. أما إسرائيل، فقد ردت على مقتل جنديين لها بقتل 110 فلسطينيين فى غضون خمسة أيام فقط وذلك تعبيراً على مشاعر الإحباط لعدم قدرتها على وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على المدن المتاخمة لغزة.
وفى هذا السياق من العنف المتبادل، تعثرت من جديد محادثات السلام والتى لم يكن ينقصها هذه التطورات، كما زادت من صعوبة وحرج مواقف حلفاء أمريكا فى المنطقة. وبينما يقول الجيش الإسرائيلى إن 90 فى المائة من القتلى هم من المقاتلين، أعلن المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان فى غزة أن نصف الضحايا كانوا أفراداً غير مسلحين وربع العدد من الأطفال، كما أعلنت جماعة بتساليم اليهودية لحقوق الإنسان أن إسرائيل قتلت 350 من مواطنى غزة منذ يونيو الماضى من بينهم أكثر من مائة من المدنيين والأطفال.
وقد أثار ذلك موجة من الغضب الدولى، مما دفع محمود عباس إلى تعليق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى رغم العداء المستحكم بين فتح، وهو الجناح الفلسطينى الذى يقوده عباس، وحركة حماس، وذلك حتى يبقى على البقية الباقية من مصداقية بين الشعب الفلسطينى والتى تتهاوى مع كل ضربة توجهها إسرائيل لغزة.
إلا أنه عاد ووافق على استئناف المفاوضات بعد الزيارة السريعة التى قامت بها كونداليزا رايس للمنطقة، حيث إن المصدر الوحيد الذى يستمد منه شرعيته كزعيم للفلسطينيين هو قبول كل من أمريكا وإسرائيل له كشريك فى السلام. فإذا ما سحب منه هذا الدور، فسوف يفقد مكانته.
وبعد أن أصبح الوضع قاب قوسين من اندلاع حرب شاملة فى غزة، فإن الجدل الآن يدور حول الخيارين الوحيدين أمام إسرائيل: إما أن تشن هجوماً ساحقاً لتدمير حماس والجماعات المسلحة وفرض سيطرتها على غزة، أو تعلن وقف إطلاق النار وتقبل بمباحثات مباشرة مع حماس. ومن مؤيدى الخيار الأخير الرؤساء السابقين لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، فضلاً عن 64% من الإسرائيليين ممن شملهم استطلاع للرأى أجرته صحيفة هآرتس مؤخراً، وهؤلاء يحبذون التفاوض مع حماس، على الأقل لوقف إطلاق وتبادل المعتقلين الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الجندى الإسرائيلى المحتجز فى غزة.
أما الحكومة فتبدو منقسمة. فقد استبعد إيهود أولمرت شن هجوم برى كبيرً على غزة، على عكس وزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسبينى ليفنى. إلا أن جميع الفرقاء داخل الحكومة الإسرائيلية يجمعون على رفض عقد صفقة مع حماس.
وقد ألمحت ليفنى إلى إمكانية وقف إطلاق النار شريطة وقف تهريب الأسلحة إلى غزة عبر الحدود المصرية، الأمر الذى صعد من التوتر بين إسرائيل والرئيس حسنى مبارك، الذى يتأرجح بين التعاون مع إسرائيل وضغوط القوة المتنامية للإخوان المسلمين، وهى الحركة الأم لحماس فى غزة.
غير أن كلا الخيارين، التفاوض مع حماس أو غزو قطاع غزة، من شأنه تقويض عملية السلام. فالأول سيضعف من مركز محمود عباس بإدخال حماس إلى المشهد الدبلوماسى، والثانى، فضلاً عن تكلفته الباهظة من سقوط مزيد من الضحايا، سوف يثقل الجيش الإسرائيلى بمهمة الحفاظ على الأمن فى غزة وسط شعب يناصبه العداء، وهو السبب نفسه الذى جعل إسرائيل تنسحب من غزة قبل ثلاث سنوات. وقد اقترح محمود عباس الوساطة بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار، وهو ما رفضته أمريكا وإسرائيل رغم أن بعض المسئولين فى الخارجية الأمريكية تحدثوا مع جهات، تحدثت بدورها مع حماس، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه هى بوادر تغيير فى السياسة الأمريكية تجاه حماس، وهكذا تستمر الاشتباكات إلى أن يأتى يوم ترد إسرائيل فيه على صواريخ القسام بهجوم شامل.
والمخرج الوحيد من هذا المأزق هو أن تتخلى إسرائيل وأمريكا عن فكرة تدمير حماس وتطلب وساطة السعودية أو مصر لوقف إطلاق النار وتبادل المعتقلين والمصالحة بين فتح وحماس واتفاقهما على إجراء انتخابات جديدة تحترم نتائجها، وقبول حماس استمرار المفاوضات بين عباس وإسرائيل. وهذا السيناريو، رغم ما يبدو فيه من خيال، فإنه قد يصبح أكثر واقعية فى الأجل الطويل.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة