على خلاف غيرها من القمم العربية، تكتسب قمة دمشق، المقرر عقدها نهاية مارس المقبل، أهمية كبرى، ليس لما أمامها من ملفات ساخنة، وإنما لأن الدولة المضيفة (سوريا) توجه لها كثير من الاتهامات بالتسبب فى تفاقم أزمة لبنان وربما زعزعة استقرار الوفاق الفلسطينى من قبل وفود "أنصاف الرجال" ـ كما أسماهم الرئيس السورى عام 2006 ـ فكافة المؤشرات توحى بأن عوامل الفشل تفوق كثيراً بوادر النجاح لقمة دمشق التى قد لا تنعقد من الأساس.
لبنان بلا رئيس:
ويظل الملف اللبنانى أهم ملفات قمة دمشق، والذى سيطغى ـ بمنطق الجغرافيا ـ على الملف الفلسطينى وحصار غزة. فالفراغ السياسى فى لبنان أوشك على الدخول فى شهره الخامس، وكافة تطورات المشهد اللبنانى تضع التأجيل السادس عشر لانتخاب رئيس لبنان نصب أعين الجميع، وتعجل من اقتراب حرب أهلية وشيكة.
يرى البعض أن التسوية اللبنانية لم تعد ممكنة قبل موعد القمة العربية، وأنها لم تعد مسألة انتخاب رئيس للبلاد، وإنما إعادة هيكلة تقاسم السلطة ونظام الحكم اللبنانى بأكمله. فطرفى الأزمة ـ الأكثرية وحكومة السنيورة المدعوم من الغرب ودول عربية بارزة والمعارضة المدعومة من البلد المضيف للقمة وطهران ـ وصلا إلى طريق مسدود، وقدما ـ كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية ـ "آخر ما يستطيعان أن يقدماه". لتصبح الكرة الآن فى ملعب "قوى الاعتدال" العربى ممثلة فى مصر والسعودية والأردن للانتقال من مرحلة "المبادرة العربية" إلى مرحلة "الضغوط العربية" على سوريا.
فى القمة الماضية بالرياض كان ملفتاً أن لبنان حضر بوفدين، الأول بقيادة الرئيس إميل لحود، والآخر يرأسه فؤاد السنيورة رئيس الحكومة، ولكن فى قمة دمشق من سيمثل لبنان.. أم أنه سيمتنع عن الحضور؟!
قمة "الشك":
ومن جانبها، ترى كل من مصر والأردن والسعودية، أن حضور لبنان للقمة بلا رئيس قد يهدد بفشلها. وقد دعا الرئيس المصرى حسنى مبارك ـ فى مقابلة مع صحيفة سعودية الأحد الماضى ـ إلى تعزيز التضامن العربى خاصة حول الأزمة اللبنانية، مشيرًا إلى أن سوريا لها علاقة بهذه الأزمة. وتدريجياً ارتفع سقف تصريحات مبارك ليؤكد بعد 48 ساعة أن سوريا طرف صريح فى مشكلات لبنان وأنه ينبغى عليها حلها قبل أن تستضيف القمة عربية.
فى حال لم يتم التوافق فى لبنان، فإنه من المرجح أن تمتنع القاهرة والرياض عن الحضور، أو تكتفيا بتمثيل دبلوماسى بسيط. فالجانبان اتفقا على دعم حكومة فؤاد السنيورة والقوى الشرعية ممثلة بالجيش وقوى الأمن الداخلى، وحض الأسرة الدولية على اتباع هذا النهج، لأن سوريا تريد إضعاف هذه المؤسسات من خلال الاغتيالات وعرقلة انتخابات الرئاسة.
عدة مؤشرات تدفع على وضع تلك التكهنات فى محمل الجد، خاصة بعد تكرار هذا الحديث عن عدم المشاركة لأكثر من مرة، فضلاً عن أن السعودية لم تتلق دعوة رسمية من دمشق لحضور القمة حتى الآن.
كشفت مصادر دبلوماسية عربية عن ترتيب سعودى ـ مصرى قد يؤدى إلى حرمان سوريا من استضافة القمة، وأشارت المصادر ـ حسبما نقلت صحيفة القدس العربى عنها الثلاثاء ـ إلى بروز اتجاه لعقد قمة عربية طارئة فى مصر ـ دولة المقر ـ مع الدعوة إلى تأجيل القمة العادية إلى إشعار آخر. واعتبر دبلوماسى عربى أن ذلك يعفى العاهل السعودى من الحرج الذى قد يواجهه بالاضطرار للمشاركة فى قمة دمشق لتسليم الرئاسة الدورية إلى الرئيس بشار الأسد.
وكانت العلاقات السورية ـ السعودية قد شهدت توترا حادا بعد تراشقات لفظية بين نائب الرئيس السورى فاروق الشرع ووزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل مؤخراً، كما تشهد العلاقات المصرية ـ السورية فتوراً واسعاً منذ نحو عام ونصف العام، عندما وصف الرئيس السورى فى أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يوليو 2006 الزعماء العرب بأنهم "أنصاف رجال".
من جانبها ترى سوريا أن الإدارة الأمريكية تدفع بعض القادة العرب إلى عدم الحضور وحثهم على مقاطعة قمة دمشق، وإظهار أن سوريا معزولة من محيطها العربى قبل أن تكون معزولة دولياً.
فتح وحماس مجدداً:
ولا يقل المشهد الفلسطينى ـ بخطوطه وظلاله ـ تعقيداً عن نظيره اللبنانى، فالانقسامات حاضرة، والحرب "الفصائلية" تطل بوجهها من تصريحات المعسكرين (فتح وحماس) والحل ـ أيضاً ـ مستعصياً على العرب. فحركة حماس التى تحظى بدعم المُضيف السورى، تتمسك بانقلابها العسكرى على شرعية الرئيس المنتخب محمود عباس فى غزة. ومن جانبه يتمسك عباس، ومن ورائه حركة فتح، بالانتخابات المبكرة وتراجع حماس عن انقلابها كشرط مبدئى للحوار بين الحركتين. وقد أكد عباس ـ فى حوار لصحيفة الحياة ـ أن علاقة السلطة الفلسطينية بسوريا غير مرتبطة بموقف كلتيهما من حماس. قائلاً إنه يمكن أن يذهب إلى سوريا ولا يلتقى حماس، وإن اللقاء مع الأخيرة موضوع آخر.
يتسابق الطرفان فى فلسطين على توجيه التهم للأخر، وكان آخرها من جانب فتح والرئيس عباس اتهام حماس بالتعاون مع تنظيم القاعدة والسماح له بالتواجد عسكرياً فى قطاع غزة.
رغم ما تحظى به حماس من دعم سورى، إلا أن موقفها سيكون حرجاً فى قمة دمشق، خاصة بعد تفجيرها لمعبر رفح وما صاحبه من اعتداءات متبادلة فيما بينها وبين حرس الحدود المصرية هناك، ذلك فضلاً عما آلت إليه الأوضاع فى قطاع غزة ـ المحرر من وجهة نظرها ـ فالأرقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO) تشير إلى أن نسبة البطالة فى الضفة الغربية وقطاع غزة تجاوزت 40%، وأشار تقرير البنك الدولى الأخير إلى أن 70% من العائلات الفلسطينية فى مناطق السلطة تعيش تحت خط الفقر, وبالتحديد فى قطاع غزة.
عوامل فشل قمة دمشق ـ إن عقدت بدمشق ـ تفوق كثيراً بوادر النجاح، ففضلاً عن الأزمة بين الأكثرية والمعارضة بلبنان، وفصائلية المشهد الفلسطينى، فإن أزمات العراق المنتهك أمريكياً ـ ومؤخراً تركياً ـ تفوق إمكانات العرب لحلها.
