الجولة الثانية والأخيرة للرئيس بوش فى القارة الأفريقية تلخص أركان استراتيجية واشنطن فى أفريقيا، والتى تتمثل فى التجارة، وقليل من التضامن وغياب شبه كامل للجرأة فى مساعدة دول القارة.
شهدت الفترة من 15 إلى 21 فبراير وداع بوش لقارة أفريقيا، بصفته رئيس دولة. فقد قام بوش فى جولته الأفريقية للقارة باصطحاب زوجته لورا فى بنين (وهى الدولة الفرونكوفونية الوحيدة خلال هذه الجولة) وتنزانيا ورواندا وغانا وليبريا، والتى لم يقم بزيارتها خلال جولته الأولى للقارة حيث شملت أول زيارة له فى يوليو 2003 دول: جنوب أفريقيا، وبوستوانا، وأوغندا، ونيجيريا، والسنغال، مما يعنى أنه زار خلال زيارتيه عشر دول أفريقية فقط (تماما مثل سابقه بيل كلينتون) خلال فترتى رئاسته، وهو ما يبدو عددا ضئيلاً بالنسبة لأهمية القارة. ولكن يبقى أمر مؤكد ومثير للاهتمام فى ذات الوقت، وهو أن قيام قوى عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية بزيارة أفريقيا (التى لم تعتبرها أبداً شريكاً ـ تابعاًـ أساسياً لها ولا تتعامل معها بعقدة المستعمر السابق) أمر لا يمكن الاستهانة به، خاصة مع الذكرى التى تركها بوش فى القارة الأفريقية.
لكن ما هذه الذكرى بالضبط؟
صرح بوش بأن واشنطن سوف تلعب دور "الطبيب" فى قارة أفريقيا، وذلك عقب تصريحه ذات يوم فى التليفزيون بأن أفريقيا تعد "قارة مهمة".
وذكر بوش فى الثامن والعشرين من يناير فى كلمته التى تحدث فيها عن أفريقيا قائلا : "سوف تبذل أمريكا كل جهدها لمكافحة أمراض أفريقيا"، مشيراً إلى أنه سوف يخصص فى مشروع ميزانية 2008 الخاص بالمساعدات الأمريكية لأفريقيا جنوب الصحراء مبلغ 4.1 مليار دولار (أى 80% من مجموع المساعدات) "للمجالات الإنسانية"، وهو ما يضم بالأخص مكافحة مرضى الملاريا والإيدز، وقد حظى هذا الموقف الإنسانى النبيل بتأييد الأغلبية فى الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا.
أفريقيا بين كلينتون وبوش:
وضع بيل كلينتون أفريقيا خلال زيارته الأولى للقارة فى 1998 فى إطار اقتصادى خالص من خلال قانون "التجارة وليست المساعدة". ولكن الوضع مع بوش يختلف كثيراً، حيث ارتفع حجم المساعدات الأمريكية لجنوب أفريقيا من مليار دولار فى 1996 إلى 4.1 مليار دولارا فى 2005. أما التبادل التجارى فقد ارتفع هو الآخر بصورة ملحوظة ليصل بين عامى 2004 و2006 من 44 إلى 71 مليار دولار، أى ما يعادل زيادة بنسبة 60%.
فى يناير 2004، أطلق بوش مبدأ مكافأة الدول التى تقوم بتطبيق بعض المعايير الواجبة عليها، مثل الحكم الجيد للدولة، ومكافحة الفساد، وانفتاح الأسواق. ونذكر من التلاميذ النابغين فى "هذه المدرسة الأمريكية" دول مثل بنين وغانا، فى حين تعد رواندا وتنزانيا من المؤهلين للانضمام إلى هذه القائمة قريبا.
وفى الوقت نفسه، تم تدعيم جانب "التجارة" خلال هذه الزيارة ، وذلك من خلال قانون "الفرصة والنمو الأفريقى" African Growth and Opportunity (Act)
والذى تم التصويت عليه، ثلاث مرات خلال فترة رئاسة بوش. ويقوم هذا القانون على إعفاء الدول الأفريقية من الجمارك على بعض المنتجات، وهو ما ساعد على ارتفاع الصادرات الأفريقية إلى الولايات المتحدة بنسبة 60% فى الفترة بين 2004 و2006 لتصل إلى 59 مليار دولار. وتعد أولى الدولتين الأفريقيتين المصدرتين لأمريكا نيجيريا وأنجولا 20% من نسبة بترول الولايات المتحدة يأتى منهما.
هذا وتعتبر أفريقيا منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية قبل أى شىء لأنها تسمح لها بتنويع مصادر التزود بالنفط. وهكذا يمكن التأكيد على أنها ليست مصادفة إذا كان قد حرص الرئيس بوش، مثل كلينتون، على المرور بأبوجا فى أول زيارة له لأفريقيا. حيث تعتبر واشنطن دولة نيجيريا محوراً مهماً لها مع عدد سكانها الضخم الذى يصل إلى 140 مليون نسمة، وما يتبع ذلك من تأثير فى القارة الأفريقية، على غرار دولة جنوب أفريقيا التى قام بوش بزيارتها فى 2003.
أما الدولة الجديدة التى حظيت باهتمام أمريكا وزيارة بوش، فهى بنين تتمتع أيضا بسياسة MCC. وهى دولة صغيرة لا تتسبب فى حدوث قلاقل واضطرابات مثل السودان وليبيا.
والجدير بالذكر، أن الموقع الإلكترونى الخاص بالبيت الأبيض قد نشر صورة للرئيس الأمريكى وعلى شفتيه ابتسامة محاولاً تقليد الخطوات الراقصة لفرقة أفريقية. ورغم كل هذه المحاولات للتقرب منهم، يعلم جيداً قادة أفريقيا أن بوش يعلن دائما استعداده للقتال ضد الإسلام. ولذلك فقد رفض كل القادة الأفارقة، باستثناء ليبريا، استقبال مراكز الإدارة العسكرية الأمريكية Africom على أراضيها، والتى تهدف إلى مكافحة الإرهاب. حتى السنغال التى تطالب بوش بإقامة صداقة قوية بين البلدين، قد رفضت هذا المطلب الأمريكى.
بوش فى أفريقيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة