يبدو أن مسألة تأجيل المفاوضات حول القدس إلى النهاية قد أثارت أزمة كبيرة فى الجانب الفلسطينى أكثر من الجانب الإسرائيلى. وأصبح الرئيس محمود عباس فى موقف لا يحسد عليه أمام الشعب الفلسطينى فى ظل التأكيدات الإسرائيلية على أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت اتفق مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس على تأجيل المحادثات بشأن القدس،رغم النفى الفلسطينى لذلك.
ورأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن أولمرت "غدر" بعباس كى لا يفقد تماسك ائتلافه الحاكم. وكتب إيفى أساشروف المحلل السياسى بالصحيفة يقول: إن كلا الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى على حق فى الخلاف الذى تفجر مؤخراً حول تأجيل المحادثات الخاصة بوضع القدس على نهاية المفاوضات.
حقاً إن أولمرت وعباس اتفقا خلال اجتماعهما الأخير على أن موضوع القدس سيتم إرجاؤه إلى نهاية المفاوضات بعد حل العديد من القضايا الأخرى مثل الحدود والمستوطنات.، حتى أن مساعدى عباس أكدوا أنه وافق على طلب أولمرت فيما يتعلق بهذا الأمر، أخذاً فى الاعتبار الموقف السياسى الحساس لرئيس الوزراء الإسرائيلى. غير أن هؤلاء المساعدين غير راضين عن ذلك، فكان من المفترض أن تظل التفاهمات التى توصل إليها عباس وأولمرت سراً وهو ما لم يحدث.
أولمرت لديه الاعتبارات الخاصة به فى نظر أساشروف، فهو يفضل مرة أخرى إلحاق الضرر بصورة عباس لدى الرأى العام الفلسطينى كى يحسن من وضع ائتلافه غير المستقر، حتى لو كان ذلك سيحدث بمقدار ضئيل.
فلابد أن يقال: إن الفلسطينيين ليس لديهم أى توقعات حول نجاح المفاوضات. فأغلب الصحفيين وكتاب الرأى الفلسطينيين يعتقدون أن المحادثات الحالية لن تثمر عن شىء جدى، وأن كلا الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى يحاول أن يخلق تواجداً فى العملية السياسية لإرضاء الإدارة الأمريكية.
ومع ذلك فإن الكشف عن اتفاق على تأجيل المحادثات الخاصة بالقدس سيتسبب فى حالة من المقاطعة بين السلطة الفلسطينية والمفاوضين الفلسطينيين.. فلعدة أشهر مضت كانوا يقولون: إن المحادثات ستشمل كل القضايا خاصة ما يتضمن السيادة الفلسطينية على "جبل الهيكل" فى القدس.
ويسرع أولمرت فى الادلاء بتصريحات لوسائل الإعلام تؤدى إلى تعرض عباس ومساعديه لانتقادات من داخل حركة فتح ومن جانب حماس، وينظر إليهم على أنهم ضعفاء عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات مع إسرائيل، وهذا أدى إلى إصدار مستشارى عباس والمتحدثين باسمه تصريحات تنفى أى اتفاق بشان تأجيل المفاوضات حول القدس.
وكان الفلسطينيون على حق عندما قالوا: إن المناقشات حول القدس لم يتم وضعها على الأجندة. فرئيسا فريق المفاوضات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى وأحمد قريع يناقشان كل شىء بما فى ذلك القدس، لكن مصادر فلسطينية تقول: إن المحادثات تدور حول أشياء عامة وأن المفاوضات الحقيقية لم تبدأ بعد.
ويقول أحد المحللين الفلسطينيين: إن عباس أدرك مؤخراً أن تأجيل المحادثات بشأن القدس سيؤدى إلى تأجيل المفاوضات كلها خاصة فيما يتعلق بقضايا المستوطنات والحدود.
لكن من المحتمل أن يكون كلا المسئولين ـ عباس وأولمرت ـ واعيان لمحدودية قدراتهم، ويجدان من الأسهل الاستمرار فى المفاوضات دون أن يصلا إلى نقطة حاسمة فى أى قضية. ويدرك عباس وأو لمرت أنهما لن يكونا قادرين على التوصل إلى اتفاق سيكون له عواقب وخيمة، ولذلك فإن عدم إدراج القدس على الأجندة يعنى عدم حدوث أزمة خطيرة سواء من جانب حزب شاس الذى يهدد بالانسحاب من حكومة أولمرت أو من حركة حماس فى غزة.
هآرتس : أولمرت "غدر" بعباس للحفاظ على حكومته
الأربعاء، 20 فبراير 2008 02:42 م