بعد ثلاث سنوات على نشر الرسوم الكرتونية التى اعتبرها المسلمون فى العالم إهانة لمشاعرهم، أعادت الصحف الدنماركية وعدة صحف أوروبية نشر بعضها تضامناً مع راسميها ضد التهديدات التى لاحقتهم من متطرفين إسلاميين. ويتزامن تكرار الأزمة مع تصاعد المناخ المعادى للمسلمين، خاصة فيما بعد أحداث تفجيرات نيويورك وواشنطن، التى اعتبرها بعض المسلمين "غزوة مباركة"، الأمر الذى أدى لزيادة روح الكراهية وعدم قبول الآخر، بل تعداه لمحاولة المساس بالمعتقدات الدينية ذاتها فى إطار ما عرف بالحرب على الإرهاب.
ونتيجة للخوف من الإرهاب، قامت العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، "بتفصيل" عدد من القوانين القمعية والمقيدة للحريات، ولم تمس فقط المهاجرين ومن بينهم العرب والمسلمون، وإنما امتدت لتشمل مواطنى تلك الدول أنفسهم، وكذلك تشديد قوانين الهجرة واللجوء فى تلك الدول بدعوى حماية حدودها من خطر الإرهاب.
فالملايين من المهاجرين فى أمريكا وأوروبا، وخاصة القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا، وكذلك الذين يحملون جنسيات تلك الدول، يعانون من التهميش والعزلة والعنصرية، ويعيشون فى تجمعات مغلقة غير قادرين على الاندماج ثقافياً واجتماعياً فى تلك المجتمعات، والملايين غيرهم يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال فى سوق العمل غير الرسمى بدعوى أنهم مهاجرون غير شرعيين، بينما لا يتمتعون بأى حق من الحقوق الإنسانية.
والحقيقة أن أى تصعيد لأزمة الرسوم، سواء بالقيام بأعمال عنف ضد السفارات الغربية فى الدول العربية والإسلامية، أو بقيام جماعات اليمين الفاشى فى أوروبا وأمريكا بنشر دعاوى تحض على الكراهية والعنف، لن تقع مسئوليته على صحيفة ولا على عشرات الصحف، وإنما سيكون المسئول الأول عنها هى الأنظمة التى تدفع بقيم المساواة ونبذ العنصرية واحترام الآخر إلى طريق مسدود.
إن السبيل الوحيد لتجنب المزيد من الغضب والمزيد من الدماء للأبرياء فى الشرق والغرب لن يكون فى قوانين جديدة لقمع حرية الرأى والتعبير تعتمد على ثقافة المنع والحظر، مثلما طالعتنا الصحف حول قرار وزير الإعلام بمصادرة أربع صحف أجنبية لنشرها الرسوم ومنعها من التداول فى مصر، وإنما فى السعى نحو خلق مناخ يحترم حقوق الإنسان، تتوقف فيه المصالح الاقتصادية والسياسية عن أن تكون الدافع وراء صناعة حروب ثقافية وعسكرية تستغلها جماعات اليمين الدينى والسياسى فى الشرق والغرب للتلاعب بمعاناة الشعوب، بل وزيادتها، علاوة على سياساتها الاقتصادية الفاسدة.
ويجب التأكيد على ضرورة وقف السياسات العنصرية ضد المهاجرين فى الغرب، والاستعمارية ضد دول العالم النامى، كما ينبغى العمل على إعلاء ثقافة احترام الآخر ونبذ قيم الكراهية والعنصرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة