الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الركن الوحيد بين الأركان الخمسة الذى يكتمل إسلام المرء دون استيفائه مالم يستطع إليه سبيلا، ودعانا الله جل وعز إلى الحج بقوله ﴿وَأَذِّنْ فِى النَّاِس بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(27)لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾[الحج:27-28].
وقد اختلف العلماء فى تفسير آيات الحج وتأويل المنافع التى أرشدنا إليها الخالق عز وجل، وإن اتفقوا على كونها منافع مادية ومعنوية، تشمل منافع التجارة، للبعض، كما تشمل المنفعة العظمى بالعفو والمغفرة وخروج الإنسان من الذنوب كما ولدته أمه.
ويرى د.محمد سعيد اليوبى فى كتابه "شرح كتاب الحج من عمدة الفقه" المنشور ضمن سلسلة صيد الفوائد عن المكتبة الإسلامية، أن الحج عبادةٌ عظيمة فرضها الله عز وجل على عباده.
ويضيف: ينبغى أن نذكر دائماً أمراً مهماً أمام العبادات وهو التماس الحِكم التشريعية منها، لأن الله عز وجل شرع الأحكام لغايات عظيمة ومقاصد مهمة وأهداف سامية ينبغى على الإنسان أن يقف عليها لأنه متى ما أدرك الحِكمة ترتب على ذلك أداء العبادة على الوجه الصحيح الذى يتناسب ومقاصد تلك العبادة .
ويعدد د. اليوبى الحكم المستفادة من ركن الحج فى ست حكم ، أوردها على النحو التالى:
الحِكمة الأولى: إنه عبادة لله عز وجل
وكل عبادة لها مقصد عام، هذا المقصد هو الخضوع والتذلل لله وهذا فى جميع العبادات، فمن حِكمها العظيمة الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى، ومتى حصل هذا القصد للعبد وكان خاضعاً متذللاً لربه تبارك وتعالى فإنه حينئذ يعنى بهذه العبادة لأنه يريد أن يحقق هذا القصد، فأنت حين تصلى تستشعر هذه الغاية وهو إظهار الخضوع والتذلل لله عز وجل، وحين تحج وحين تعتمر وحين تطوف بالبيت...
إذن كل عبادة مقصدها العام الخشوع والتذلل حتى يظهر فقر العبد لله عز وجل، إنه عبد لله كلفه بما شاء سبحانه فليس له أن يعترض على الله عز وجل .
الحِكمة الثانية: إقامة ذكر الله عز وجل
فمن تأمل الآيات التى وردت فى الحج يجد هذا جلياً واضحاً فيها، فإن الله عز وجل ذكر آيات تتعلق بالحج وذكر فيها أهمية الذكر فقال - عز وجل - :
1- "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا" (البقرة: 198-200).
2- "وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ" (البقرة:203).
3- "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" (الحج:27-28) .
فتلاحظ أن هذه الآيات جميعاً ذُكر فيها أهمية الذكر فى الحج ، وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إنما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله )) .
فهذه الحِكمة وهذا المقصد العظيم الذى شُرع من أجله الحج كثيرٌ من الناس فى غفلة عنه ، لذا يرتكبون أفعالاً كثيرة مخالفة لهذا المقصد أو لا علاقة لها بالحج وذلك حين يشتغلون باللهو وبالقيل والقال .
و منذ أن يُحرم الحاج يلبى لله عز وجل وهذا ذكر لله ، وفى الطواف يذكر الله وفى السعى يذكر الله ، وفى عرفات يذكر الله، وعند المشعر الحرام يذكر الله، وفى كل فعلٍ من أفعال الحج ذكرٌ لله .
الحِكمة الثالثة: أن يستشعر الإنسان ما هو قادمٌ عليه من المصير
فحين يتجرد من ثيابه التى كان يلبسها يُذكره ذلك بالآخرة ، ففى الحج تذكيرٌ بالآخرة، فكأنه يُقال للإنسان إنك فى يوم من الأيام ستجرد من ملابسك وستودع هذه الدنيا.
الحِكمة الرابعة : إن فى الحج اجتماع المسلمين
وهذا مقصد عظيم، ففيه وحدة المسلمين وجمع كلمتهم ووحدة صفهم، فهذا المقصد العظيم رأيناه ظاهراً فى صلاة الجماعة التى تتكرر فى اليوم خمس مرات فى المساجد فهذا اجتماع مصغر يلتقى فيه أصحاب الحى فى اليوم خمس مرات فى بيت من بيوت الله عز وجل يؤدون فريضةً من فرائض الله ، ثم يأتى اجتماع أكبر وهو يوم الجمعة وهو اجتماع أسبوعى، ثم يأتى اجتماع فى السنة مرتين وهو الاجتماع لصلاة العيدين ( عيد الفطر وعيد الأضحى ) ، ثم يأتى الحج وهو الاجتماع السنوى للمسلمين وهو واجب فى العمر مرة كما يأتى فى كلام المؤلف - رحمه الله تعالى - وفى هذا الاجتماع منافع كثيرة كما قال الله عز وجل :
(ليشهدوا منافع لهم) ، فقوله عز وجل: (منافع) كلمة مطلقة تشمل: المنافع الأخلاقية والدينية، والاجتماعية، والاقتصادية . وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - كثيراً من المنافع التى تترتب على الاجتماع فى الحج فمنها: تعرف المسلمين على بلاد بعضهم، وعلى أحوالهم، ويتعرف التاجر على مواطن التجارة فى البلدان المختلفة، و يتعرف على ما يحتاج إليه المسلمون فى كل مكان من بقاع الأرض .
بالإضافة إلى أن هذا الاجتماع مظهرٌ من مظاهر وحدة المسلمين، لأنهم يظهرون بلباس واحد ويجتمعون فى مكان واحد يدعون رباً واحداً ويقومون بأعمال واحدة ولا فرق بين غنيهم وفقيرهم، فهذا مظهر أيضاً من مظاهر اجتماعهم ووحدة كلمتهم .
الحِكمة الخامسة : فى الحج مغفرة الذنوب وابتغاء الثواب
وهذا أعظم ما يسعى إليه الإنسان فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة).
وعن النبى الكريم أنه قال : ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أُمه) فهذا أيضاً مقصد عظيم يسعى إليه المسلمون .
الحِكمة السادسة : إحياء سنة إبراهيم عليه السلام .
فى الحج مغفرة الذنوب وابتغاء الثواب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة