أم شكرى بأنفاسها اللاهثة مع أقل حركة، لم تعد قادرة على الخدمة فى البيوت، كما كان حالها طوال سنوات عمرها التى شارفت على السبعين، فاكتفت بمسح سلالم العمارات، لتحصل على جنيهين من كل شقة، قد يبخل البعض بهما عليها. رغم مشقة العمل والمقابل الزهيد الذى لا يتعدى مائة وخمسين جنيها شهريا، فإنها لا تجد سبيلا آخر، حتى أن البعض نصحها بأن تشترى مناديل ورقية لتتسول بها فى أى مكان، لكنها رفضت: «أنا اتحمل الشغل، لكن متحملش إن حد يحرجنى».
فى الدور الثالث، جلست تلتقط أنفاسها وتتذكر كيف مرت السنون فى لمح البصر بكل ما تحمله من مرارة وشقاء، خاصة تلك الأيام القاسية التى عاشتها، تشاهد زوجها يتزوج بأخرى، ليعوض عدم قدرتها على الإنجاب. ثلاث فتيات كن ثمرة زواجه الثانى، لكن البنى آدم لا يملأ عينه إلا التراب، فكان لايزال يحلم بالولد. وبعد مرور 15 عاما على زواجها، لم تتخيل أم شكرى أنها تستطيع الإنجاب، لكن كانت إرادة الله فوق كل شىء، أنجبت ولدين لكن القدر لم يمهل زوجها ليعيش معهما قليلا، وتوفى قبل أن يرى ابنه الثانى. أم شكرى تحملت مسئولياتهما وحدها وسط حالة الغلاء المشتعلة، وهى تتحصل على 150 جنيها شهريا، فماذا تفعل بهذا المبلغ؟
«بمشى نفسى بالفلوس اللى بدبرها» فالعدس والفول هما الطعام الرئيسى، أما الفراخ فلا تستطيع أن تطمع فى أكثر من الأجنحة التى تشتريها، وتصنع منها صينية بطاطس، لا يمكنها تذوق اللحوم إلا فى عيد الأضحى إذا ما جاد عليها أحد الأغنياء بقطعة من لحم الأضحية. «الحكومة عمالة تغلِّى الحاجة على الناس.. تعمل إيه الناس الغلابة.. وواحدة ست كبيرة زيى تجيب منين؟». «بقالهم كام شهر بيقولوا الحاجة ح ترخص، كله دلوقتى مبنى على الغش والطمع». الحياة القاسية التى عاشتها اختلطت بيأسها من إمكانية تحسن الوضع، فكانت كلمتها الأخيرة «أنا تعبت من الهم والشغل، نفسى أروح أحج وأموت بقى».