أعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان اليوم، الجمعة، تقريره الأول حول حالة حقوق الإنسان فى العالم العربى خلال العام الحالى 2008، والتى وصفها التقرير بأنها شهدت تدهورا متزايدا.
ولاحظ المركز تزايد وتيرة القمع بحق دعاة الإصلاح والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافة المستقلة ووسائط الإعلام الإلكترونى، وقادة حركات الاحتجاج الاجتماعى، ومختلف أشكال الحراك السياسى داخل البلدان العربية، فى الوقت الذى تراجع فيه استهداف الإسلاميين.
وأضاف المركز أن ذلك اقترن بمساع حثيثة لتصدير القمع، الذى فاض عن حاجة العالم العربى من خلال منابر الأمم المتحدة والشراكة الأورومتوسطية، التى شهدت ضغوطا متزايدة من الحكومات العربية، للجم أصوات المنظمات غير الحكومية أو إقصائها تماما من هذه المنابر، وللدفع باتجاه إفراغ آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان من مضمونها، ولتبنى قرارات منافية لمنظومة حقوق الإنسان.
واستهدف التقرير الذى جاء تحت عنوان "من تصدير الإرهاب إلى تصدير القمع"، والذى سيناقشه البرلمان الأوروبى خلال الأسبوع المقبل ببروكسل، وجنيف وبرشلونة، بالرصد والتحليل للأوضاع فى 12 دولة، شملت مصر وتونس والجزائر والمغرب والمملكة السعودية والبحرين وسوريا، إلى جانب خمسة من البلدان التى تعيش تحت وطأة الاحتلال، أو فى ظل نزاعات داخلية مسلحة، وهى العراق والأراضى الفلسطينية المحتلة، والسودان ولبنان واليمن.
ولاحظ التقرير أن جامعة الدول العربية صارت خلال 2008 أكثر تعبيرا عن توجهات النظم الاستبدادية من أى وقت مضى، فقد انضمت الجامعة إلى قادة الانقلاب العسكرى فى إهدارهم لحق الشعب الموريتانى فى اختيار حكامه على أسس ديمقراطية. وهبت لدعم النظام السودانى فى مساعيه للإفلات من المحاسبة على المجازر المتواصلة فى دارفور، والحيلولة دون مثول مسئوليه أمام المحكمة الجنائية الدولية. فضلا عن تحولها إلى منصة للهجوم على حرية التعبير، وبخاصة وسائط البث الفضائى والإلكترونى.
ولاحظ التقرير تزايد مظاهر التوترات ذات الطابع العرقى أو الدينى أو المذهبى فى عدد من البلدان، وبخاصة فى ظل التمييز الممنهج ضد الشيعة فى البحرين والمملكة السعودية، وفى مواجهة الأكراد فى سوريا. كما لفت النظر إلى تزايد حدة الاحتقان الطائفى فى مصر، بسبب تنامى مشاعر التعصب الدينى، وخاصة فى ظل توظيف الدين فى العمل السياسى من الحكومة وجماعات الإسلام السياسى. فضلا على تقاعس الحكومة فى معالجة العديد من المشكلات المزمنة، التى تكرس التمييز ضد الأقباط وغيرهم. كما أشار التقرير إلى تعرض الحريات الدينية لمزيد من الضغوط، وبخاصة فى مصر والمملكة السعودية والجزائر.
وأظهر أن افتقار النظم القضائية العربية بصفة عامة لمعايير الاستقلال، وتغييب ضمانات العدالة، وتنوع أشكال القضاء الاستثنائى، قد أفضى بدوره إلى تعريض المشتغلين بالرأى والمطالبين بالديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات، والمدونين والصحفيين إلى محاكمات جائرة فى معظم البلدان التى تناولها التقرير. كما أظهرت بجلاء أن جرائم التعذيب والتجاوزات الشرطية الجسيمة لا تخضع فى الغالب للمحاسبة والعقاب.
وأكد أن الطريق يبدو مغلقا أمام فرص حقيقية للتداول السلمى للسلطة فى البلدان العربية؛ حيث تحيط ظلال الشك بفرص إجراء انتخابات حرة فى بلدان تعانى من أزمات سياسية مستحكمة، مثل لبنان، أو فى ظل استمرار الصراعات المسلحة فى السودان، أو عجز الأطراف السياسية فى العراق عن التوافق على القانون الانتخابى للمحليات. بينما دفعت السلطات فى الجزائر بتعديل دستورى يفسح الطريق لولاية ثالثة أو أكثر للرئيس الجزائرى؛ وتلاعب النظام التونسى كالمعتاد بالدستور، لضمان إقصاء رموز بعينها من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولتظل الانتخابات الرئاسية فى تونس أقرب إلى الاستفتاء، مثلما هو الحال فى مصر والجزائر.
وأوضح التقرير أن حقوق المشاركة السياسية قد امتهنت على نطاق واسع فى مصر؛ بعد أن استخدمت السلطات كل الوسائل القانونية وغير القانونية، لإقصاء غالبية مرشحى الإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة، وحرمانهم من التقدم بأوراق ترشيحهم فى انتخابات المحليات، التى جرت وسط اعتقالات واسعة فى أوساط الإخوان المسلمين ومرشحيهم.
وعلى الرغم أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى المغرب تعتبر الأفضل نسبيا، إلا أنها عكست عدم ثقة المواطنين فى قدرة الأحزاب السياسية أو البرلمان على معالجة تردى الأوضاع المعيشية للسكان؛ طالما أن القرار الفعلى تهيمن عليه المؤسسة الملكية.
وأكد التقرير أن أغلبية النظم الحاكمة تتعرض لعملية تآكل فى شرعيتها السياسية، نتيجة لفشلها المزمن فى حل إشكالات تنمية وتطوير المجتمعات العربية، ولرفضها تأسيس شرعيتها على أساس خيار ديمقراطى حر. وأنها فى المقابل تسعى لترميم شرعيتها بتوثيق أواصر التحالف مع السلفية غير المعارضة لها، الأمر الذى يترتب عليه تعزيز التطرف الدينى، وتوقع المزيد من تدهور حقوق الإنسان.
تقرير حقوقى: لا تداول قريب للسلطة فى العالم العربى
الجمعة، 05 ديسمبر 2008 06:20 م