ليس غريباً أن تشعر بالاحترام والتقدير لصاحب أى موقف سياسى طالما دافع عن هذا الموقف وتحمل مسئوليته، بصرف النظر عن مدى اتفاقك مع هذا الموقف. لكن فى حالة المصافحة المثيرة للجدل بين الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز والإمام الأكبر سيد طنطاوى فالمصيبة أكبر من مجرد المصافحة.
وطالما أننا وقعنا سلاماً مع إسرائيل يؤيده البعض ويعارضه آخرون، فمن الطبيعى أن تجد شخصا يقف فى هذا الجانب أو الآخر، بغض النظر عن أيهما جانب الأغلبية. وربما تقبل من رجل عادى "ليس له فى الطور ولا فى الطحين" ألا يشغل باله بهذه المواقف رغم الأهمية التاريخية لقضية الصراع العربى الإسرائيلى، والتى تعتبر أكثر القضايا إسهاماً فى تشكيل الوجدان العربى منذ منتصف القرن العشرين. لكن ما قد نقبله من الرجل العادى لا يمكن قبوله من رجل يشغل منصباً بأهمية منصب الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر. ولذلك أشعر شخصياً بالإهانة مرتين.. الأولى حين صافح شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوى بكل الود الرئيس الإسرائيلى بيريز فى مؤتمر حوار الأديان الذى استضافته الأمم المتحدة.. والثانية من تبريرات الإمام الأكبر لهذه المصافحة، والتى تراوحت من اتهام المنتقدين بأنهم مجانين، إلى الزعم بأنه لم يكن يعرف بيريز وصافحه مثل أى شخص عادى.
الانتقادات تركزت على أن مصافحة الإمام الأكبر لبيريز تعنى تناسى جرائم إسرائيل ضد المقدسات الإسلامية وضد المسلمين فى قطاع غزة المحاصر وغيره من الأراضى المحتلة.
وكنت أتمنى أن يخرج الإمام الأكبر ليؤكد بشجاعة أنه من معسكر السلام ويتلو على مسامعنا آية أو أكثر من القرآن تحض على السلم. وإذا كان البعض سيعتبر مثل هذا الموقف مصيبة فإن زعم شيخ الأزهر أنه لا يعرف رئيس إسرائيل مصيبة أكبر. فهل من المعقول أن يكون على رأس الأزهر رجل لا يعرف رئيس الدولة التى تناصب أمته العداء منذ أكثر من ستة عقود؟ وهل أهمية المشاركة الرمزية لشيخ الأزهر فى المؤتمر الذى دعا إليه العاهل السعودى الملك عبد الله ترجع إلى أن الدكتور طنطاوى الأزهرى لا يعرف رئيس اسرائيل؟ وهل تلقى الإمام الأكبر الدعوة للمشاركة لمجرد أن يقف ويصافح كل من هب ودب وكل من يعرف ولا يعرف، وكأنه يقف فى سرادق عزاء؟
إن التبريرات التى ساقها شيخ الأزهر لموقفه تمثل إهانة لعقل العرب والمسلمين أكبر مما فعله بمصافحته بيريز بكلتا يديه وبوجه باسم حسبما يظهر فى الصورة التى تناقلتها وسائل الإعلام.
وإذا كان الأنبا شنودة يتخذ موقفاً معارضاً لسياسات إسرائيل فالرجل يجاهر بذلك ويدافع عنه. ومن الأولى بشيخ الأزهر إذا كان يفضل الاتفاق مع السياسة الرسمية لحكومتنا، وهو أمر ليس بغريب، فربما يكون من الأفضل أن يعلنها صراحة وأن يدافع عن موقفه. وباختصار يا سيدى الإمام الأكبر، إذا كنت صافحت رئيس إسرائيل وأنت تعرفه فهذه مصيبة، وأما إذا لم تكن تعرفه.. فالمصيبة أكبر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة