ما أسوأ هذه الفترة التى نعيشها، الكوارث تهبط علينا الواحدة تلو الأخرى بأحداث مختلفة لنتعايش معها بسلبية كأننا قطيع حيوانات لا تتعلم أبداً من أخطائها، وها هى إسرائيل تبدأ احتفالاتها بالسنة الجديدة مبكراً، مطلقة وابلا من النيران على رؤوس شعب غزة، ليقتل من كتب عليه الموت ويعيش من كان نصيبه عاهة تلازمه بقية عمرة لتذكره دائما بسلبية قادته وصراعهم الدائم على سلطة وهمية، أما نحن فلا نتغير بقلة حيلتنا وبلادتنا المعهودة، نتابع صواريخ إسرائيل تبيد شعبا أعزل وكأننا نشاهد أحداث فيلم ابتدعه مخرج أمريكى محترف، وكأن قتل العرب أصبح تقليدا متبعا لاستقبال الاحتفالات.
تتحرك أصابعنا على أزرار الريموت كنترول نشاهد لقطات الموتى والجرحى لنبدى أسفنا على ما يحدث، أما أثناء تناولنا للطعام فى عجلة لنلحق بموعد عملنا الليلى، أو أثناء جلوسنا على المقهى محتضنين "لى" الشيشة لتخرج أنفاسنا على شكل دخان ممزوج بكبت مزمن لا شفاء منه، باحثين عن نصر وهمى بلعب الطاولة فى زمن ندر فيه الإحساس بطعم الانتصار.
وسيلجأ رواد شبكة الإنترنت للبحث عن كلمة "غزة" لتنهال عليهم صور الموتى والمصابين، سائلين بعضهم بوجه لا يخلو من الألم هل رأيت مشهد الجثة المقطعة الأرجل؟ ليظهر أحدهم استياءه لمشهد لا يمحوه النسيان، وآخر يحاول أن يبدى اهتمامه بمتابعة القضية الفلسطينية، فيطلب منه إرسال هذا المشهد ليحتفظ به ويتبادله مع الآخرين، اعتقادا منه بأنه بهذا الفعل قد يكون أعلن تضامنه مع غزة، وسيتبادله آخرون وآخرون مستخدمين تقنية البلوتوث لوضعها على أجهزتهم المحمولة، بل وسيتطوع البعض منهم بكتابة جملة "فداكى يا غزة" قبل بداية ملف الفيديو، لينام بعدها مرتاح الضمير.
أما عن الطلبة فسيتجه من يخشى عواقب إبداء رأيه إلى منتديات الإنترنت ومجموعات الفيس بوك لصب الويل واللعنات على إسرائيل وحكامنا العرب، وسينظم الشجعان منهم المظاهرات فيصطدمون بالجهات الأمنية لتحدث اشتباكات قد تنتهى بقتيل من هنا وجريح من هناك، وفى المقابل سيملأ محترفو الصراخ الصحف والبرامج التليفزيونية اتهامات للآخر بالعمالة والتقصير، كما لن يبخلوا علينا بإبداء النصح والإرشادات اللازمة لإنهاء هذه الأزمة، محذرين الحكومات من عواقب سياساتهم الفاشلة.
كل هذا وإسرائيل لا تزال تطلق صواريخها على شعب فلسطين مستمتعة بمشاهدتنا نتناطح متحكمة فينا كالعرائس الخشبية بلا إرادة، مستمتعة بنتيجة تطبيقها لمبدأ فرق تسد على أمم كالنعام تدفن رؤوسها فى الرمال، فهل لنا أن نتوقف لحظة لنتخيل أن هذا العدد من الموتى والجرحى قد يكونون من أصدقائنا وأقاربنا، بل قد نكون نحن من ضمن هؤلاء الذين يتبادل الآخرون صورهم لمشاهدتها بدون التحرك خطوة واحدة للرد على هذا العدوان، ألم نسأم من وظيفة تضميد الجرحى وحمل الأكفان، لماذا لا نذيقهم طعم دمائهم ولو مرة فى وقت يذيقوننا فيه طعم الموت ألف مرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة