اختارت إسرائيل بعناية التوقيت، الذى قررت فيه محاولة إعادة تأسيس قوتها الرادعة، والتى تحطمت قبل عامين عندما خاضت إسرائيل حرباً ضد حزب الله اللبنانى، وتعرضت لهزيمة ساحقة. اختارت إسرائيل هذه المرة هدفاً أضعف وهو قطاع غزة الفقير الخاضع لسيطرة حركة حماس الإسلامية، تلك الجماعة التى تعد أقل انضباطاً، وأفقر من ناحية التسليح من حزب الله. وقامت إسرائيل بقصف غزة بقوة كاسحة خلال فترة الانتقال الرئاسى الأمريكى، وقبل أن يتولى باراك أوباما مهام منصبه، خاصة وأنه، أى أوباما، قد يبدو أقل تعاطفاً مع المغامرة العسكرية الإسرائيلية. كما تحركت إسرائيل ضد حماس عندما اتخذت الكثير من الدول العربية، وتحديداً مصر، موقفاً معادياً من حركة حماس، واتهمتها بإعاقة جهود المصالحة الفلسطينية.
لكن هل كانت حرب إسرائيل الجديدة ضرورية؟ وهل يمكن أن تخرج إسرائيل من هذه الحرب أقوى من حرب عام 2006؟
فى ظل اقتراب الانتخابات العامة فى إسرائيل، التى لا تفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة، فإنه لم يكن مستغرباً أن يتسابق القادة الإسرائيليون كى يثبتوا للناخبين أنهم قادرون على إيقاف صواريخ حماس التى تمطر جنوب إسرائيل. وقد تجاهلت حماس بغباء التحذيرات الإسرائيلية بضرورة وقف هذه الصواريخ. ومع ذلك، فإنه من الممكن إعادة التهدئة بين حماس وإسرائيل بقليل من الصبر وكثير من الدبلوماسية. فإسرائيل هى من خرقت وقف إطلاق النار أولاً على أية حال عندما قامت بقتل ستة من مسلحى حماس فى الرابع من نوفمبر الماضى، فى عملية كان الهدف منها تدمير أحد الأنفاق.
وكما هو معتاد، فإن أغلب المجتمع الدولى وقف صامتاً أو مؤيداً لموقف إسرائيل. وربما كانت القوى العالمية متأثرة بمنطق أن ضرب حماس بقوة قد يساعد إسرائيل على تغيير ميزان القوى فى المنطقة، وهو الميزان الذى رجحت كفته لصالح القوى الأصولية خلال السنوات الأخيرة، والتى تتمثل فى حزب الله وحماس إلى جانب سوريا وإيران.
لكن الخيار العسكرى قد يجعل إسرائيل أمام خسائر سياسية أكثر من المتوقعة، كما أنه قد يفرز أزمات جديدة يجب على العالم أن يتعامل معها. فليس من المحتمل أن يظل من يطلق عليهم المعتدلين فى العالم العربى بعيدين عما يحدث، وقد يتم تقويض سلطات الرئيس الفلسطينى الضعيف محمود عباس، الذى تريد إسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام معه، بشكل أكبر، حيث يواجه عباس غضب الفلسطينيين والرأى العام العربى على المدى الأشمل. الأسوأ من ذلك، هو أن الأزمة تحمل مخاطر بتحويل العرب نحو قادتهم المعادين لإسرائيل، والفاقدين للقوة، وهذا على الأقل هدف السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، الذى دعا إلى احتجاجات ضخمة فى جميع أنحاء العالمين العربى والإسلامى.
كما صب نصر الله غضبه الأكبر على مصر، مطالباً بشكل صريح بالانقلاب على النظام الحاكم فيها.
من ناحية أخرى، إن ما أقدمت عليه إسرائيل سيجعل الأمر أكثر صعوبة لإدارة أوباما الجديدة فيما يتعلق بفتح صفحة جديدة فى الشرق الأوسط. كما أن رد فعل إدارة بوش المؤيد لإسرائيل يجعل من الصعب على أوباما استعادة صورة أمريكا الإيجابية فى المنطقة.
فلم يمض وقت طويل على احتفال الشرق الأوسط بالانتخابات الأمريكية، بعد أن توقع الرأى العام فيه أن الدبلوماسية ستحل محل استخدام القوة كوسيلة لحل مشكلات المنطقة. وكان هناك حديث عن أن كلا من إسرائيل وسوريا قد يعلنان قريبا انطلاق مفاوضات سلام مباشرة، بينما كانت الولايات المتحدة تستعد لبدء حوار مع طهران. لكن التفكير بأنه من الممكن شن حرب فى جهة، وإحلال السلام فى جهة أخرى، أو أنه من الممكن أن تنعم الضفة الغربية الخاضعة لحركة فتح بالازدهار، بينما تحترق غزة هو مجرد وهم.
للأسف، فإن النتيجة المحتملة لهذا الهجوم الإسرائيلى هو أن نفس القوى التى يستهدف تقويضها قد تفوز، وأن أغلب الأصوات فى الجانبين العربى والإسرائيلى المطالبة بحل سلمى للصراع ستصبح هى الخاسرة.
فاينانشيال تايمز ترصد النتائج العكسية لأحداث غزة
الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008 09:41 م
رصد النتائج العكسية لأحداث غزة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة