منذ بداية ظاهرة القرصنة فى خليج عدن وأمام السواحل الصومالية، بدأت مصر اتخاذ العديد من الخطوات لرصد أخطار الظاهرة على الأمن القومى، خاصة قناة السويس التى تأثرت سلبيا بعد لجوء الكثير من شركات الشحن إلى تغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
التحركات المصرية تقودها وزارة الخارجية بالتعاون مع أجهزة الدول المعنية بالمشكلة ومنها جهاز الأمن القومى، بدأت بدعوة الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر إلى اجتماع تشاورى.. ومؤخرا رأس السفير عبد الحميد مرزوق مسئول ملف القرن الأفريقى بالخارجية، وفد مصر فى الاجتماع الوزارى الذى عقد بالعاصمة الكينية نيروبى لبحث ظاهرة القرصنة، ويعتبر السفير مرزوق أول شخصية دبلوماسية يوكل إليها مسئولية الموضوعات السياسية لملف القرصنة، وهو ما يعكس الاهتمام المصرى بالقضية.
مرزوق حدد لليوم السابع خطة العمل المصرية تجاه الظاهرة ومنها ضرورة العمل فى إطار الشرعية الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة، خاصة فى ظل صدور قرار من مجلس الأمن الأسبوع الماضى يجيز لمدة سنة تنفيذ عمليات دولية ضد القراصنة فى الصومال، وهو القرار الذى وصفه وزير الخارجية البريطانى بأنه أداة جديدة مهمة للتصدى للذين يخططون ويسهلون أو ينفذون أعمال قرصنة انطلاقا من الأراضى الصومالية.
مرزوق ربط مشاركة مصر فى أى قوات دولية لمكافحة القرصنة بصدور قرار بذلك من مجلس الأمن.. كما كشف كثيراً من التفاصيل... فإلى الحوار:
ما هو الوضع الحالى فى خليج عدن وأمام السواحل الصومالية؟
هذه المنطقة أصبحت مقرا لعدد من القوات الدولية والاتحاد الأوروبى
وحلف الناتو التى تحاول حماية السفن المارة فى المنطقة من أعمال القرصنة، وهذه القوات مشكلة من مجموعة سفن تسمى قوات "أتلانتا" وأسطول أمريكى وقوات من دول منفردة مثل روسيا والهند وفرنسا التى تحتفظ بقاعدة عسكرية فى جيبوتى لحماية السفن المارة.
ولم يحدث حتى الآن أن تم تشكيل قوات أممية بقرار من الأمم المتحدة، وإنما القوات الموجودة تعمل فى إطار قرارات مجلس الأمن الصادرة لمكافحة القرصنة مثل القرار الأخير الذى صدر.
لكن مجلس الأمن أصدر قرارا يجيز لمدة سنة تنفيذ عمليات دولية ضد القرصنة فى الصومال؟
المجلس لم يصدر قرارا بتشكيل قوات دولية، وإنما الأمر يسير فى اتجاه تطوير وتفعيل جهود المكافحة، والقرار الذى صدر الأسبوع الماضى أعطى صلاحية أقوى للقوات التى تقوم بالمكافحة الآن فى خليج عدن وأمام السواحل الصومالية، فالقرار أعطى الحق للقوات بملاحقة القراصنة ليس فقط فى البحر والمياه الإقليمية للصومال، وإنما على الأرض وفى الأجواء الصومالية، وهى خطوة جديدة وقرار قوى يعطى الفرصة لمهاجمة القراصنة والمناطق التى يتواجدون بها.
ألم يعطى القرار الشرعية الدولية للقوات المتواجدة فى خليج عدن رغم أنها ذهبت لمكافحة القرصنة دون قرار دولى؟
المجلس يحاول الآن أن يسيطر على الظاهرة، وهو فى سبيله لتشكيل مجموعة اتصال معنية بالقرصنة ستكون مصر من بين الدول المدعومة للانضمام لعضوية المجموعة فى ضوء الثقل الذى تتمتع به مصر على المستويين الأقليمى والدولى.
متى سيتم تشكيل المجموعة وما وظيفتها؟
تشكيل المجموعة خطوة تالية لصدور القرار، ومن المتوقع أن يصدر قرار بها فى أول يناير المقبل، وستتركز أعمالها على تشكيل الجهود الدولية ووضع الأطر التى سوف يتم التعامل خلالها مع هذه الظاهرة، ومن ضمنها تشكيل قوات دولية أن دعت الظروف لذلك.
هل تؤثر مشاركة مصر ضمن القوات الدولية على أمننا القومى؟
القوات الموجودة الآن لا تعمل فى البحر الأحمر، وإنما فى المحيط الهندى وخليج عدن وأمام السواحل الصومالية، وهى قوات تحارب لكى تحمى سفنها، وللآن لم تحدث سابقة قرصنة فى البحر الأحمر، كما أن الدول العربية المشاطئة للبحر قادرة على حماية شواطئها، لذلك لا نخشى من وجود هذه القوات طالما أنها لم تخرج عن إطار عملها.. ومصر أعلنت موقفا تجاه الأزمة فى اجتماع مجلس الأمن الأخير، عندما أكدت أن النطاق الجغرافى لتلك الظاهرة لم يتجاوز منطقة غرب المحيط الهندى وخليج عدن قبالة السواحل الصومالية، ومن هنا كان حرص مصر على الدعوة إلى عقد اجتماع تشاورى للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر يوم 20 نوفمبر المنصرم، للتأكيد على حقيقتين: الأولى، أنه لا توجد أعمال قرصنة داخل البحر الأحمر، وأن البحر الأحمر له خصوصيته التى تميزه عن مناطق أخرى هشة أمنيا، حيث تمتد على سواحله دول لديها القدرة على ضبط سواحلها وتأمين مياهها الإقليمية. أما الحقيقة الثانية، فهى أن الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر يساورها القلق من تنامى تلك الظاهرة بالقرب من جنوب البحر الأحمر، وأنه لديها الرغبة فى تنسيق جهودها من أجل تأمين حركة الملاحة فى البحر الأحمر والحيلولة دون انتقال الظاهرة إليه.
ما مدى تأثير القرصنة على قناة السويس؟
القرصنة أثرت بشكل غير مباشر على القناة، لكن مصر لم تتنظر حتى تؤثر عليها تأثيرا كبيرا، فنحن الآن نعمل ضمن الإطار الدولى لحماية مصالحنا وأمننا القومى.
البعض يقول إن مصر غائبة عن الملف وتحاول تبرير ذلك بأن المخاوف لم تصل بعد إلى قناة السويس؟
نحن دائما نسير وفق مصالحنا الوطنية وأمننا القومى، ونراعى الشرعية فى تحركاتنا. كما أن هناك تشاورا دائما بين مصر وأشقائها من الدول العربية كان آخره الاجتماع التشاورى الذى دعت إليه القاهرة قبل شهر، وعقد برئاسة مصرية يمنيه.. كما شاركنا فى الاجتماع الوزارى المعنى بالقرصنة الذى عقد الأسبوع الماضى فى العاصمة الكينية نيروبى، وشارك فيه أكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية، والمؤتمر كان هدفه التشاور السياسى بين الدول والجهات المشاركة للتعرف على رؤيتهم لمواجهة القرصنة، وتحديد مواقفها المستقبلية للتعامل معها، وقد لاقينا اهتماما من المشاركين لأننا نشارك بفاعلية فى كل الأنشطة والفعاليات الخاصة بالظاهرة سواء فى الأمم المتحدة أو فى المؤتمرات الدولية.
لماذا لم تشارك مصر بقوات ضمن القوات الموجودة الآن فى خليج عدن؟
مصر تدرس كل الاحتمالات التى من شأنها المحافظة على مصالحنا القومية وتسمح لنا بالعمل فى إطار الشرعية الدولية.
معنى ذلك أن مصر لن تشارك عسكريا فى مكافحة القرصنة إلا بعد صدور قرار دولى بذلك من مجلس الأمن؟
نحن سنعمل فى إطار الشرعية الدولية، فنحن نريد أن نعمل تحت قيادة الأمم المتحدة وليس تحت أى قيادة أخرى، وحتى الآن ليس هناك ما يسمى بالقوات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ألم يحدث تشاور مصرى عربى حول مسألة إرسال قوات؟
التشاور موجود لكن كما قلت مصر تريد أن تعمل فى إطار الأمم المتحدة.
ألا يعتبر ذلك بعداً مصريا عن مسرح الأحداث الذى أصبح الآن ممتلئا بالقوات الدولية؟
لم نبعد ولم نقصر فى وقت من الأوقات، المسالة أن أى شئ نقوم به يكون مدروسا ومتفقا مع قوانيننا وتشريعاتنا الداخلية، فضلا عن تحركنا فى الإطار الدولى.
طرحت باسم مصر فى اجتماع نيروبى إنشاء محكمة دولية بقرار من مجلس الأمن تختص بمحاكمة القراصنة، هل ذلك يرجع إلى رفض عدد من الدول المعنية بالمشكلة محاكمة القراصنة على أراضيها؟
هذه المسألة ثار حولها جدل دولى، وتباين بل وصعوبة فى مسألة التعامل مع القراصنة واحتجازهم ومحاكمتهم، نظرا لاختلاف التشريعات والقوانين الداخلية للدول عن بعضها البعض، لذلك اقترحت مصر إنشاء المحكمة الدولية للتغلب على هذا التباين، فضلا عن أننى طرحت فى الاجتماع موقف مصر بأنه لا مانع من قيام دولة إقليمية مثل كينيا، بقبول محاكمة القراصنة على أراضيها لأن قوانينها وتشريعاتها تسمح بذلك، لذلك طلبنا أن تحدد الدول الإقليمية التى توافق أو تستعد على قبول نقل القراصنة لأراضيها ومحاكمتهم، حتى نصل إلى إطار قانونى فيما يخص باحتجاز ومحاكمة القراصنة، بما يتفق مع تشريعات الدول الإقليمية نظرا لصعوبة تحقيق ذلك على المدى القريب.
هل مصر ستضع قانونا لمكافحة القرصنة؟
لا يدخل ذلك ضمن اختصاصى، لكن نحن نتحرك الآن نحو إنشاء المحكمة الدولية لأن الدول التى بها قوانين تخص القرصنة، بها ثغرات، كما أن العديد من الدول ليس بها مثل هذه القوانين.
الخبراء ربطوا بين تنامى القرصنة والأوضاع المتدهورة فى الصومال، وأن المشكلة الصومالية هى لب الظاهرة مما يستدعى التدخل لحلها بكل جدية، ما هى رؤية مصر تجاه الأزمة؟
هذا الرأى صحيح، لذلك فإن الاجتماع الوزارى الذى عقد مؤخرا بكينيا خرج بتوصيات هامة فى هذا السياق، على رأسها مساعدة الصومال فى بناء نظام قانونى وأمنى من خلال إنشاء جهاز شرطة قوى ودعم حرس السواحل لرفع قدراتها بما يسمح لها بملاحقة القراصنة، ووقف أعمال الصيد غير المشروع والتخلص من النفايات الخطرة أمام سواحل الصومال، إضافة إلى دعم جهود الأمم المتحدة لإعداد اتفاقية لتعيين محققين قضائيين على السفن البحرية التى تجوب أعالى البحار من الدول التى ستقبل محاكمة القراصنة على أراضيها وكذلك تشجيع قيام اجتماع جيبوتى الإقليمى المقبل الخاص بالقرصنة بتقييم ومراجعة المبادرات الإقليمية الحالية وتدعيمها إن أمكن.
لكن أين دور مصر فى الأزمة الصومالية؟
مصر موجودة وفاعلة فى كل المؤتمرات الإقليمية والدولية الخاصة بالصومال، كما أنها تدعم الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار والأمن ومساعدة الحكومة وكافة الأطراف لتوحيد صفوفها، وإعادة بناء مؤسساتها، كما نقوم بتقديم مساعدات إنسانية.
هل سيكون لمصر دور فى دعم الصومال بإعادة تأهيل أجهزتها الأمنية وفقا للتوصيات الصادرة عن اجتماع نيروبى؟
ما صدر عن الاجتماع عبارة عن توصيات، ومصر مستعدة للنظر فى المساهمة فى كل ما من شأنه دعم الاستقرار والأمن فى الصومال.
أكد ضرورة وجود قرار أممى..
مرزوق: مشاركتنا فى مكافحة القرصنة مشروطة
الجمعة، 26 ديسمبر 2008 03:39 م
مسئول ملف القرصنة بالخارجية السفير عبد الحميد مرزوق
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة