مشكلة فلسطين من المشاكل التى عانت من كثرة الحلول العقيمة والمفاوضات المارسونية التى انتهت بالوضع الحالى دون حلول ملموسة على أرض الواقع. حول أبعاد القضية الفلسطينية والحلول المثلى لها كان لليوم السابع هذا الحوار مع الدكتور محمد خالد الحسن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، ومدير مركز أبحاث الرباط. وهو نجل المناضل الشهيد خالد الحسن، عضو اللجنة المركزية لفتح.
لماذا فشلت كافة القوى السياسية فى إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية حتى الآن؟
ظهرت مشكلة إسرائيل فى قلب الوطن العربى لحل أزمة اليهود فى أوروبا بعد صياغة المشروع الصهيونى العنصرى. فالصهيونية استمدت قيامها من الدولة النازية برفع شعارات "شعب الله المختار"، "فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، رغم أن هذا يعتبر اعترافا ضمنيا بأن اليهود ليس لهم أرض ولا وطن فى هذه المنطقة. فما يصنع الأمة هى الحياة على أرض مشتركة لتكوّن الوطن، لا الاستيلاء عليه. المشروع الصهيونى مشروع استعمارى استيطانى احتلالى، ظن اليهود بعده أنهم يمكنهم صناعة أمة بهذا الشكل الكاريكاتورى، فالأمة هى التى تخلق دولا وليس العكس. مشروعهم إلى طريق مسدود:
انسحبوا من سيناء وبعدها لبنان.. وحتى الآن لم يستطيعوا استيعاب الشعب الفلسطينى. فقاموا ببناء جدار الفصل العنصرى الذى يؤكد فشل الدولة اليهودية التى يريدون إقامتها من النيل حتى الفرات. يهودية الدولة تعلن أن اليهودى مواطن من الدرجة الأولى والعربى مواطن من الدرجة الثانية. هذا حل فيه رؤية عنصرية فجة فى توطين اليهود فقط، وطرد غير اليهود إلى خارج الوطن، هذا هو الحل الأسهل الذى يتمسك به قادة العالم. وبناء على هذا، قاموا بطرح مشروع جديد للدولة الصهيونية اليهودية، الدين عنصر بناء القومية فيها، بعد أن فشلوا فى بناء دولة تصنعها الحياة المشتركة مع الفلسطينيين من جانب، وبين اليهود أنفسهم بأصولهم المختلفة، من جانب آخر.
هل هذا يؤكد نظرية أن إسرائيل مصيرها للزوال؟
الواقع الحالى يؤكد فعليا أن اليهود بدأوا فى الذوبان فى ظل انعدام قاعدة الدين كأساس لقيام الدولة اليهودية التى هى دولة لليهود فقط، هذا فى ظل وجود أكثر من مليون ونصف عربى داخل الخط الأخضر مسلمين ومسيحيين أسقطوا فعليا يهودية الدولة. النقل الجبرى للمواطنين العرب فى فلسطين الانتفاضة وفلسطين الصمود يؤكد ذعر اليهود من فشل مشروعهم الصهيونى القائم على الظلم، ويؤكد أيضا أنه لن يستمر، خاصة فى ظل ذعرهم من تزايد أعداد الفلسطينيين المحيطين لهم ولمستعمراتهم.
فما هو الحل من وجهة نظرك؟
الحل يكمن فى يد اليهود أنفسهم: عليهم أن يعودوا من حيث أتوا، إلى بلادهم الأصلية، بناء على سنن التاريخ والجغرافيا التى تؤكد أن هذه المنطقة عربية استمدت عروبتها من الحياة المشتركة لسكانها. الحل الصحيح يبدأ من قيام الدولة الفلسطينية المبنية على حق العودة. يجب أن نفرض ممارسة حقنا فى العودة لبلدنا متمتعين بكامل حقوقنا، وأولها المواطنة. أما اليهود، فعليهم الاندماج فى المجتمعات التى يعيشون فيها.
ولكن اليهود يعلنون قوميتهم على أساس الدين؟
الدين لا يصنع القومية فهو، ومعه اللغة، مجرد عنصر من عناصرها. فالدين قد يكون عنصر من عناصر القومية مثل اللغة التى تتنوع فى دول العالم العربى ولكنها تعتبر عنصرا من عناصر التكوين القومى.
أين اتفاقية كامب ديفيد من هذا التصور؟
اتفاقية كامب ديفيد وأوسلو خيانة كبيرة لن يغفرها التاريخ. وما عادت سيناء إلا بحرب 1973 وليس اتفاقية الاستسلام المعروفة باتفاقية كامب ديفيد. فالانتصار هو سبب استرداد أرض سيناء، وهذا لو حدث فى عصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتغير وجه التاريخ و معه خريطة المنطقة كلها. ولكن هذه الاتفاقية بشكلها الحالى معناها أن المشروع الصهيونى عاجز على التمديد لتخليه عن شعار دولة إسرائيل، حدودها من النيل إلى الفرات. مصر أكثر بلد عنده تناقض فى التعامل مع إسرائيل فى ظل اعتراف الحكومة وتعاملها على أسس التطبيع من جانب، ورفض الشعب المصرى بكامل فئاته ومؤسساته التعامل بأى شكل من الأشكال مع الكيان الصهيونى. فالغاز المصرى السائل فى إسرائيل حاليا خيانة وعمالة، ويجب على الشباب المصرى أن يخلقوا استمرارية لكلمة "لا للتطبيع".
فى ظل الواقع الحالى هل المقاومة مازالت هى الحل؟
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. المقاومة تعطينا الأمل فى لبنان والعراق وفلسطين، والتصدى للعنف لا يكون بدون عنف: لا نقاش ولا جدال ولا سلام. المقاومة دائما هى الحل.. فالمقاتلون فى العراق الأبى هم الذين أوقفوا الغزو الأمريكى المبنى على أحلام الشرق الأوسط الكبير. ومعركة فلسطين تدور حاليا فى العراق وسوريا، ومصر والسعودية وإيران على الطريق. لا بد من عودة اليهود إلى بلادهم، ونحن لن نرميهم فى البحر ولن نقتلهم.. يعود من له بلد إلى بلده، والمولود على الأراضى الفلسطينية فلسطينى، وفلسطين عربية، ومن ثم سيكون لهم مصير عادل. هذه ما تعلمناه من تاريخنا العربى القومى. حق العودة سيرجع الفلسطينيين رغما عن اليهود وعودتهم ستكون نهاية المشروع الصهيونى.
وماذا سيكون مصير اليهود؟
أنا ضد المقولة التى تؤكد أن اليهود خطر على وطننا العربى. يجب أن ننظر إليهم بشكل أكثر إنسانية وعقلانية، حتى لا نعطيهم قوة هى أصلا ليست موجودة لديهم. عدوى الصهيونى وليس اليهودى، ولكنى أكون ضد من يأخد حقى مهما كان. أنا مع أن يأخذ اليهودى حقه، ولكن ليس على حساب حقى كفلسطينى. وبعد أن استرد أرضى، سأقف بجانب اليهودى ليأخذ حقه.
هذا الكلام ممكن فقط نظريا.. ولكن ما هو أسلوب التطبيق؟
يجب إيصال الواقع إلى العالم كله لكشف تصرفات الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين. فحتى الآن، القضية الفلسطينية ليست مطروحة بشكل صحيح على المستوى العالمى وهناك خلط بين كل من الدولة والشعب.
ولكن المقاومة تحولت فى الفترة الأخيرة إلى مجرد مقاومة بالكلام فى ظل المفاوضات القائمة؟
المقاومة بالكلمة دورها أصعب من دور البندقية. وأنا مع المقاومة فى إطار ممارسة متكاملة بين الكلمة والرصاص. وكلمتنا دائما تسبق الرصاص، عكسهم.. رصاصهم يسبق، ومفهوم التفاوض لديهم قائم على مبدأ "دعه يعمل.. دعه يمر.." ولكن يجب ألا يتعارض مع الثوابت المتمثلة فى حق العودة. أنا ضد أى شيء يتعارض معه.
لمعلوماتك..
◄ ولد خالد محمد سعيد الحسن عضو اللجنة المركزية لفتح فى 1928 واستشهد فى 1994.
◄عاش طفولته بمدينة حيفا فى أسرة وطنية متدينة احتضنت اجتماعات الشيخ عز الدين القسام ورفاقه، ودرس فى مدارس حيفا، ثم سافر لدراسة الاقتصاد فى لندن عام 1947. إلا أنه اضطر للهجرة مع عائلته إلى لبنان فسوريا إثر نكبة 1948، ثم استقر بالمملكة المغربية.
◄تبوأ منصب رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين 1968-1974 وعمل مفوضا للتعبئة والتنظيم بين 1971-1974، وتسلم رئاسة لجنة العلاقات الخارجية فى المجلس الوطنى الفلسطينى منذ 1968.
◄اعتبر عضوا فى اللجنة المركزية لحركة فتح منذ انطلاقتها رسميا فى عام 1967، وتسلم منذ الثمانينات مهمة الإعلام فى حركة فتح حتى وفاته فى المغرب.
◄ 20.. هو عدد الكتب التى ألفها خالد الحسن، ومنها "الدولة الفلسطينية شرط للسلام العادل"، "الاتفاق الأردنى الفلسطيني"، "العلاقة الإسرائيلية الأمريكية"، "يوميات حمار وطنى"، "قبضة من السلام الشائك"، "القيادة والاستبداد".
محمد الحسن يؤكد كامب ديفيد وأوسلو.. أكبر خيانة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة