فى الوقت الذى تحظى فيه الأعمال الدينية اهتماما واسعاً فى العالم، حيث سيعرض المسلسل الإيرانى "العذراء مريم" فى احتفالات الكريسماس فى بعض الدول الأوروبية، إلا أننا فى العالم العربى مازلنا نثير الجدل حول مستوى الاهتمام بإنتاج الأعمال الدرامية التاريخية، سواء كانت تاريخية دينية أو تاريخية سياسية وخلافه، وتخضع الدراما المصرية لمقارنة دائمة مع السورية بسبب تفوق السوريون فى توفير كافة الإمكانيات والماديات لإنتاج أعمال تاريخية.
تساءل اليوم السابع عن موقف الدراما المصرية من إنتاج المسلسلات الدينية وعرضها فى أوقات جيدة بدلاً من الفجر وبعد منتصف الليل.
المنتج حسين نوح تحدث عن وجهه نظره قائلاً: نحن المنتجون نعانى من مشكلة كبيرة فى الورق التاريخى، لأن الأعمال التاريخية تتطلب إنتاجا ماديا ضخما، ليس فقط فى أجور الممثلين، بل فى اختيار أماكن التصوير، ومهندس ديكور على دراية واسعة بالحقبة الزمنية التى يتم فيها التصوير بسبب عدم إمكانية الحصول على رسوم مخفضة للتصوير فى الأماكن الأثرية.
وأوضح أن الحكومة والمسئولين يفرضون على الآثار رسوماً باهظة تتسبب فى تكلفة المنتج مبالغ طائلة لبناء ديكورات مشابهة للتصوير، ومصمم ملابس مثقف تاريخياً ليستطيع تصميم الملابس المناسبة، هذا بخلاف تزاحم المنتجين بأعمالهم على الخريطة الرمضانية، مع وجود احتمالية اللحاق بماراثون السباق من عدمه، إضافة إلى كارثة تفصيل الورق على نجوم بعينهم عددهم 7، باعتبارهم نجوم الإعلانات الذين يحصدون للمنتج قيمة ما أنفقه على العمل من الإعلانات، وتسابق القنوات الفضائية على شراء المسلسل، وهو ما أدى إلى إتباع بعضهم مبدأ "البقاء للأسهل وليس للأفضل".
السيناريست يسرى الجندى يقول: عندما ننظر لتاريخ الدراما الدينية وقت ظهورها كانت تحظى باهتمام إنتاجى، وكانت من أوائل الأعمال المدرجة على الخريطة الرمضانية مثل سلسلة المسلسل الدينى"محمد رسول الله"، وحتى مسلسل "عمر بن عبد العزيز" الذى جاء استثناءا بعد التدهور الكبير الذى حظى به إنتاج الدراما التاريخية، وهذا يعود إلى دخول الإنتاج الدرامى فى نطاق التجارة، عندما أصبحت الإعلانات تتحكم فى معيار الإنتاج واختيارها للنجوم الذين وضعوا أنفسهم فى قالب تقديم الأعمال الاجتماعية، وأصبح إنتاج المسلسل التاريخى أو الدينى "كماله عدد" و"سد خانة" يتم عرضه بعد الفجر دون النظر لمستواه، فلا تستطيع تقييمه.
وتتفق الناقدة ماجدة موريس مع ما سبق، وأكدت أنه على سبيل المثال: بالرغم من أن السيدة "مريم العذراء" شخصية مقدسة عند المسلمين والمسيحيين، لكن لم يتطرق أحد لمجرد طرح فكرة إنتاج عمل عنها، وبالرغم من أن مصر هى الدولة المحورية فى الإنتاج التليفزيونى والسينمائى، إلا أن إنتاج الدراما الدينية فقير مقارنة بالإنتاج السوري، ويجب أن تتكاتف جهود صناع الدراما لكى لا نضع أنفسنا ثانية فى مقارنة عمل درامى مثل "الظاهر بيبرس" الذى قمنا بإنتاجه بشكل أقل مما أنتجته سوريا، مما سيتسبب لاحقاً ليس فى مجرد خسائر معنوية للقائمين على العمل، بل فى خسارة ثقافية فادحة لنا، مما سيفقدنا سمعة درامتنا المصرية، ويجب أن يضع الصناع أيضاً صوب أعينهم أننا لا نخاطب المشاهد المصرى بعينه، ولكن وفقاً لتسويق المسلسلات المصرية فى دول عربية وأجنبية، يشاهدها عرب الجاليات العربية فى الدول الأوروبية، ومشاهدون من جميع أنحاء الوطن العربى، فلا يصح أن يصطدموا بفارق الصناعة بكل جوانبها من صورة وإنتاج ومحتوى.
المنتج محمد العدل أكد بدوره بمناسبة عرض مسلسل "السيدة مريم العذراء" فى أوروبا، أنه كمنتج لا يستطيع إنتاج مثل هذا العمل إلا بموافقة الأزهر الشريف، وليس هذا العمل فقط، إنما أية أعمال تتناول سيرة الأنبياء تحديداً فى مصر، وعن إذا كان العمل مربحا فى ظل معايير الإعلانات التى تحكم صناعة الدراما، أكد محمد العدل أيضاً أنه لن يسعى لإنتاج عمل إلا لو سيحقق الربح من وراءه، والمنتج الذكى هو الذى يعلم جيداً كيف يحقق مكاسب مادية من عمل يبقى فى تاريخ الدراما، مهما كان نوعه "تاريخى، دينى أو حتى اجتماعى".