المولوية بين روحانيات عامر التونى وعشق الكَوَلَة

الأحد، 21 ديسمبر 2008 05:15 م
المولوية بين روحانيات عامر التونى وعشق الكَوَلَة عامر التونى: يمكننى تحسين صورة الإسلام بالموسيقى
كتبت يمنى مختار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إحدى مدن الصعيد، عاش طفل صغير يحلم بأن تتردد موسيقاه فى العالم، لكن ضيق ذات اليد وقف عقبة أمام اقتنائه أى آلة موسيقية، فكان تعلم البيانو أمراً صعب المنال، إلا أن القدر شاء أن يسكن فى البيت المجاور له أحد اللبنانين، والذى يمتلك مجموعة كبيرة من الآلات الموسيقية، ففكر أن يلازم هذا الرجل عله يتعلم شيئاً من موسيقاه.

وبالفعل أخذ عنه السلم الموسيقى وبدأ يتمرن شيئاً فشيئاً حتى أصبح متميزاً فى العزف على الكولة، تلك الآلة التى تمثل الناى المصرى وإن كانت تستخدم بصورة أساسية فى الإنشاد الدينى الصوفى.

حفلات مدرسية وأخرى جامعية اختتمت بحصول عامر التونى على ليسانس الآداب وبكالوريوس التربية قسم لغة عربية، حيث كان الطريق يؤدى تلقائياً إلى تدريس اللغة العربية فى إحدى المدارس، لم يتخيل أن ينهى حياته مدرساً للغة العربية، فكان العزف على الكولة هو الطريق الذى اختاره، فسافر إلى اليونان لمدة 6 سنوات كاملة، عزف خلالها الموسيقى الصوفية.

فارتباطه بآلة الكولة جعل أذنه تعشق الموسيقى الصوفية وتسعى نحو نشرها ليعشقها العالم بأسره، فقد لاحظ أن البوذيين يقدمون الموسيقى الخاصة بطقوسهم فى فرنسا ولكن بعد مزجها بالموسيقى الغربية حتى يتذوقها الغرب، مما جعله يفكر فى تضفير الإنشاد الدينى بالموسيقى الغربية، وهو ما يحاول تطبيقه فى الوقت الحالى مع موسيقى الجاز.

وفى داخل الموسيقى الصوفية، بحث لنفسه عن هوية وطريق مختلف لم يتطرق له أحد من قبل، حيث وجد ضالته فى إنشاد المولوية، حيث اختار أن يحيى تراثها بعد أن أصبحت من أقدم الطرق الصوفية المهجورة التى لم يعد لها شيخ طريقة ولا حتى مريدين، والتى ترجع أصولها إلى تركيا.

ورغم إنشاده للمولوية، إلا أنه يرفض الانتماء لهذه الطريقة حيث يتحفظ على بعض طقوسهم، حيث يبالغون فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أن الولاء الأكبر بالنسبة لهم يكون لشيخ الطريقة الذين يبالغون أيضاً فى الإطراء عليه.

ويتعامل مع المولوية بحرص شديد، حيث يرفض غناء شعر جلال الدين الرومى، مؤسس الطريقة المولوية، وما بين الطقسى والفنى يتأرجح عامر التونى، فلا يمكن الجزم أنه يقدم المولوية كطقس نظراً لتحفظاته عليها، وفى ذات الوقت لا يعتبرها فناً، فحالة الاندماج التى يكون عليها تشعره أنه ليس مجرد مؤدٍ، وبالتالى فهو يطرح المولوية كجزء من التراث يعمل على التحاور معه وخلق نوع من الجدل نحو قبوله أو رفضه.
‏‏
تبدأ حلقة الذكر المولوية بتلاوة عشر آيات من القرآن الكريم من أحد المنشدين، تعقبها بعض الأدعية والابتهالات التى يؤديها رئيس الزاوية، بعد ذلك ينشد أحد الدراويش شعراً يقول فيه:

إذا رُمتِ المُنَى يا نَفسُ رُومِى .. لمَولانَا جَلال الدين الرومى

وعند كلمة مولانا تضرب ثلاث ضربات، ويبدأ العزف بالنايات، حيث كان جلال الدين الرومى يقول "إن الشجرةَ عندما تمَّ قطعُهَا كانتْ تأنُّ، ويشبه أنينُهَا أنيننًَا، لذلك فعليهم أن يستمعوا لأنينِها من خلال الاستماعِ للناى".

طربوش بنى وعباية صوف تخبئ تحتها ملابس بيضاء، تلك هى الصورة التى يكون عليها الدراويش الذين يبدأون بالدوران على إيقاعات الإنشاد الدينى، ويكون دورانهم سريعاً فتنفرد ألبستهم الفضفاضة، ويضعون على رأسهم الطربوش البنى، وأثناء الدوران يؤدون بأيديهم حركات لها معانٍ صوفية، فيشكلون بأيديهم ورأسهم لفظ الجلالة (الله).

ما بين لندن وباريس ومدريد، قدم عامر التونى عروض المولوية كجزء من التراث، وهو يمزجه بالموسيقى الغربية لجعله مستساغاً للغرب حيث يمرر لهم بعض الرسائل التى لا يفهموها للوهلة الأولى، وإن كانوا يشعرون بنوع من الارتياح لها بعد الاستماع لهذا النوع من الموسيقى.

فيفاجأ بأن القرآن والأدعية التى تتلى على الأجانب تحدث لهم حالة من السكون والخشوع لا يعرفون سببها، فهم يتعاملون مع الشكل المقدم باعتباره مقطوعة موسيقية، بعكس المصريين الذين يتعاملون معه باعتباره نوعاً من الذكر فيمكن أن تجد من يتحدث إلى الشخص الجالس بجواره ولا يشعر بنفس الخشوع.

يردد على مسامعهم، كلمة "مولاى" و"يا رب"، والتى تهزهم رغم أنهم لا يعرفون معناها "يلمس فى قلب المستمع شيئاً دون أن يعرف ماذا يحدث له"، ذلك هو الدور الذى رأى نفسه فيه كسفير لدينه "عاوز ألفت النظر لهذا الدين لكننى لست داعية لأخطب فى الناس".

"الشكل المولولى هو شكل كرنفالى يبتهج بحالة الذكر، وله الدور الذى يقف عنده ليبدأ الإنسان فى التفكير بما تأثر به"، هنا يقف دور عامر التونى الذى يستخدم الربابة والكولة والدف لتمرير رسائل خفية هدفها تحسين صورة الإسلام على المدى البعيد فى الخارج.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة