تزايدت الأقوال فى الأيام الأخيرة عن مستقبل العالم بعد تولى باراك أوباما سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدايةً يجب أن نعلم أن كلا الحزبيين الأمريكيين ينتهجا نفس الأيديولوجية الليبرالية الرأسمالية الصرفة، فالأمر ليس كما يحدث فى أوروبا مثلا كأن ينام الناس مع حكم يمينى متعصب، ليتحول الأمر صبيحة إعلان النتائج الانتخابية إلى حكم يسارى متطرف فالسياسة هنا متأرجحة ما بين اليمين واليسار والوسطية، لأن هذه هى طبيعة الحياة الحزبية الأوروبية.
إنما الولايات المتحدة فالوضع فيها مختلف فكما ذكرنا أن الأيديولوجية واحدة، ولكن الاختلاف هنا يكمن فقط فى مدى تحفظ الحزبين وأسلوبهم فى الإدارة ليس إلا، ولذلك فمن يتوقع أن يكون أوباما هو ذلك الفارس الأسود الذى يمتطى صهوة جواده ليصول ويجول محررا دولنا العربية ومنقذا للقوميات و... و... من تلك هذه الأمور فهو إنسان واهم لا يعلم شيئا عن تاريخ السياسة الأمريكية.
فرؤساء الولايات المتحدة ليسوا هم المسيطرون على مقاليد الحكم كما تحاول الميديا الأمريكية الإيحاء لنا، بل إن هناك مستشارين وجماعات ضغط والأكثر من ذلك هناك تكتلات رؤوس أموال ومصالح شركات متتعدة الجنسيات تكون لها الكلمة العليا فى السياسات الأمريكية سواء كانت داخلية أو خارجية لما لهذه الشركات من ثقل، حيث تتجاوز ميزانيتها ميزانية عدة دول مجتمعة
إذن فالسياسة الأوبامية لن تختلف كثيرا عن سلفها ولكن...
من ناحية أخرى فهناك عدة أمور أخرى مؤثرة بشكل أو بأخر ويجب عدم إغفالها.
من أهمها شخصية أوباما نفسه، فمهما قلنا عن ثبات السياسة الأمريكية فيجب ألا نغفل الفروق الفردية لدى الأفراد فلكل فرد أسلوبه الخاص وطريقته الخاصة فأوباما يختلف عن بوش، عن كيندى، عن إيزنهاور فلكل منهم أسلوبه فى تنفيذ نفس السياسة.
فأوباما كشخصية إنسان متحفظ إلى حد ما لا تستهويه المجازفات ولا القفزات الغير محسوبة بعكس سلفه بوش. إذن فنحن أمام فترة رئاسية مستقرة نسبياً خالية من تلك المغامرات الجنونية البوشية.
هناك أيضاً عامل أخر مؤثر وبشدة على الفترة القادمة ليس على أمريكا فقط بل على اغلب دول العالم، هذا العامل هو الأزمة الاقتصادية العالمية التى ستعصف وبقوة باقتصاديات الدول فى الفترة القادمة، فهذه الأزمة ستستنزف مجهود ووقت الإدارة الأمريكية لفترة غير قصيرة، هذا بالإضافة إلى مزيج مدهش من المشاكل الداخلية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، هذا الإرث البوشى مقدر لأوباما حمله بل والتغلب عليه أيضاً، فالمواطن الأمريكى لم ولن يكترث بانتصارات جيشه فى العراق – إذا كانت هناك انتصارات بالفعل – أو إلى المفاوضات الفلسطينية أو إلى غيرها مع وجود تلك الأزمة الخانقة، حتى لو استطاع أوباما إعدام بن لادن فى ميدان عام، فالمواطن الأمريكى لن يجذب انتباهه إلا تلك الأعداد الكبيرة من المواطنين المتوقع تسريحهم من أعمالهم، فأيا كانت انتماءات أو اتجاهات الجماعات المؤثرة فى صنع القرار ففى النهاية يجب أن تخضع لرغبات دافعى الضرائب.
هناك أمر آخر ارغب فى ذكره لما يمت من صلة وثيقة بالموضوع ألا وهو زيارة أوباما لحائط البراق أثناء سباقه الانتخابي, فما حدث هو أن أوباما ذهب فى زيارة غير سريعة لإسرائيل وخلال زيارته تلك ذهب لحائط البراق وبكى أمامه كما يفعل الصهاينة، هذا الأمر جعل الكثيرين يفسرون تلك الزيارة على أن أوباما سينتهج سياسة صهيونية بحتة وزاد هذا الاعتقاد لديهم بعد اختياره لمستشاريه ذوات الميول اليهودية المتعصبة.
هذا الأمر له شقان، أولاً آن زيارة أوباما لا يجب أن نضع عليها ثقلا كبيرا فى تحليلنا هذا لأن أوباما يجب أن يمول حملته الانتخابية وطبعا جميعا نعلم أن اللوبى اليهودى هو من أكبر ممولى الحملات الانتخابية إذن فيجب إرضاؤه بتلك الزيارة، أيضا هناك العديد من الصفقات التى تتم تحت الطاولة أثناء الحملات الانتخابية كصفقات اختيار المستشارين مقابل دعم من نوع معين وهكذا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فيحب أن نعلم أن الكيان الصهيونى هو حامى حمى مصالح أمريكا فى الشرق الأوسط – قلب العالم الجديد- إذن فإسرائيل هى طفلة أمريكا المدللة وحين تراعى أمريكا مصالح إسرائيل، فهى بذلك تنتهج سياسة أمريكية وليست صهيونية كما قيل.
فإسرائيل هو الشرطى الأمريكى حامل العصا والجزرة تارة يضرب وتارة يكافئ إذن نستخلص من ذلك إن تلك الزيارة إنما هى زيارة عادية جدا، فمن الطبيعى أن يزور رب العمل ربيبة ويكافئه أيضاً إذا اقتضى الأمر.
الخلاصة.. الحوت الأمريكى سيبقى فترة ليست بالقصيرة قد تزيد عن عامين مختفى خلف محيطه الكبير فى محاولة لترتيب البيت الداخلى من آثار الأزمة الاقتصادية وتكوين تحالفات جديدة، وما إلى ذلك بالطبع لن تخلو هذه الفترة من بعض الزيارات هنا أو هناك فالولايات المتحدة لن تنعزل بشكل كلى، وإنما لن يكون هناك تغيرات حادة فى الوضع الحالى فكما يقال سيبقى الحال كما هو عليه لا تغيير حتى يضمن أوباما رضاء دافعى الضرائب والسيطرة على الأوضاع الداخلية، إذن هذه هى فرصة كل من يرغب فى التغير فالولايات المتحدة لن تتدخل بشكل كبير ولن تفتح أية جبهة جديدة، وإن أحسن قادتنا استقراء المستقبل سيجدوا أن تلك فرصة كبيرة للم الشمل واستعادة السيطرة إن استطاعوا استقراء الغد وهذا أمر أشك فيه، إذن فالأمر هنا يعود للشعوب وليس للقادة.
ولكن ما الذى يجب عمله؟
هذا سؤال صعب الإجابة عليه يجب أن يسال كل منا نفسه ما المطلوب منه لتغير المسار، واستغلال تلك الفرصة التى قد لا تتكرر مرة أخرى فى الحقبة الزمنية القريبة.
ما الذى يجب عمله؟ سأترك إجابة هذا السؤال لكم؛ عسى أن يجد من يستطع الإجابة.
القارئة شيماء صلاح خلف تكتب: محاولة استقراء الغد الأوبامى
الأحد، 21 ديسمبر 2008 09:34 م