كل الطرق فى مصر تؤدى إلى الموت.. وخاصة كلما اتجهت جنوبا، حيت لا يمر الوزراء والكبار على هذه الطرق.. الإهمال وغياب الرقابة، يصنع كمائن الموت التى كان آخرها صباح الأحد الماضى، على طريق الصعيد الزراعى، وتحديدا قرب مدينة مغاغة بالمنيا، والتى راح ضحيتها أكثر من 60 شخصا.. الحادث ترك آثاره الحزينة على الجميع، النائب سعد عبود وغيره من النواب توجهوا إلى الحكومة بأسئلة وطلبات إحاطة للحكومة، التى أبدت أسفها وتعاطفها مع أرواح الضحايا وأسرهم.
فما حدث كان مروعا، هذا ما قاله لنا أحد الناجين من الأتوبيس الغارق فى ترعة الإبراهيمية «بـ250 قرشا فقط تستطيع أن ترى روحك وهى تصعد إلى السماء، فتلك هى تسعيرة الموت فى طريق القاهرة - أسوان الزراعى، وكمان أرواح 60 شخصا معك يلقون نفس المصير».
أتوبيس نقل الركاب الذى مر على مدينة مغاغة بالمنيا، يحمل 79 شخصا بدلا من حمولته الحقيقية البالغة 49، ويسير بسرعة تزيد على 100 كم فى الساعة، على طريق أقل ما يوصف به أنه غير صالح للاستخدام الآدمى.
اشتركا فى الدراسة بكلية التجارة ببنى سويف ولم يرد الموت أن يفرقهما فأخذهما معا.. أحمد حمدى على إبراهيم، ومحمد جمال منصور، كانا متجهين إلى كليتهما، ولكن القدر منحهما لقب أصغر ضحايا حادث أتوبيس المنيا.. الأول كان يتيم الأم، وهو العائل الوحيد لأسرته لكبر سن والده، أما الآخر فقد خلف وراءه شقيقتين تبكيانه بالدم، ووالدا افتقد ابنه الأكبر وسنده فى الحياة.
لحظات العذاب للضحايا لم تدم طويلا بقدر طول الفترة الزمنية التى استغرقتها قوات الإنقاذ والشرطة والإسعاف للوصول لمكان الحادث.. 60 دقيقة مات فيها من مات منهم وعاش القليل ممن وقفت العناية الإلهية بجانبهم بأن بعثت إليهم صيادا بـ«فلوكة» لينقذ بعضا منهم، ومع وصول الشرطة بدأت الاشتباكات بينها وبين الأهالى الملهوفين على معرفة مصير ذويهم، وتصاعد الموقف بعد رفض الغطاسين النزول إلى الماء عند حلول الظلام، وذلك لقلة إمكانياتهم.
11 مترا هو عرض طريق مصر أسوان المار بمحافظة المنيا التى يتواجد بها العديد من الكتل السكانية على جانبى الطريق، ورغم ذلك بقى الطريق بدون وجود جزيرة وسطى تفصل بينهما، مما يتسبب فى وقوع الكثير من الحوادث، فالطريق الأكثر وقوعا للحوادث به لم يحاول المسئولون إصلاحه، على الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى أن ستة أشخاص يموتون فى كل حادثة على هذا الطريق، كثافة السيارات لم تشفع لسكان هذه المنطقة لكى تمنحهم هيئة السكة الحديد فرصة أخيرة للحياة، فقد قامت بإلغاء قطار السابعة صباحا الذى كان ينتقل بين بنى مزار وبنى سويف، ويتحمل عبء نقل الطلاب والأهالى فى هذه المنطقة، الذين لم يجدوا بعد قرار الإلغاء سوى اللجوء إلى استخدام أتوبيسات تحمل لهم الموت أكثر مما تحملهم إلى بيوتهم.
مصطفى عبدالقادر رئيس مدينة مغاغة اتهم الشركة المتحدة المالكة للأتوبيس، مؤكدا أنه تقدم بالعديد من الشكاوى ضدها، ولكن نظرا لنفوذ ملاكها لم يقم أحد بأى إجراء ضدها، وعندما سألناه عن عدم الاهتمام بوجود جزيرة وسطى أو كبارى مشاة على الطريق تفصل بين الكتل السكانية وأماكن الخطورة، اتهم الهيئة العامة للطرق والكبارى بالتقاعس والإهمال، لكنه رفض التعليق على عدم وجود مصدات على جانبى ترعة الإبراهيمية، واكتفى بقوله «أثرناها مع المحافظ ولم نتلق ردا».
الشركة المتحدة للنقل والمواصلات مالكة الأوتوبيس اشترت (لطّا) مكونا من 20 أوتوبيسا أجرت لها الشركة عمليات تجديد وصيانة شكلية يجريها طلاب المدارس الصناعية بحسب قول الشهود- رغبة من الشركة فى توفير النفقات، وقد أفاد شهود العيان بأن تلك الباصات المتهالكة قد اشترتها الشركة فى حالة سيئة جدا من شركة الفتح للنقل السريع، تقشف الشركة دفعها إلى تحميل 70 راكبا فى الأوتوبيس بدلا من الحمولة المقررة (49 راكبا)، كما أنها تأمر سائقيها بالسير على سرعة 100 كم/ساعة.
تقاعس المحليات عن أداء دورها وتهور السائق.. كلها أسباب أدت إلى وقوع كارثة راح ضحيتها ما يزيد عن 60 قتيلا على طريق القاهرة أسوان السريع، تحديدا عند مدينة مغاغة بالمنيا، بعد سقوط أوتوبيس نقل سياحى بركابه فى ترعة الإبراهيمية.
النائب المستقل سعد عبود تقدم ببيان عاجل إلى الحكومة لكشف ملابسات الحادث، محملا الحكومة مسئولية الحادث، وأشار عبود إلى أنه لن يخص بهذا البيان جهة بعينها، وذلك لوجود جهات عدة تشترك فى المسئولية، حيث تدخل وزارة النقل كطرف رئيسى فى الحادث، ثم تأتى وزارة الداخلية كطرف ثان بتبنيها قانون المرور الجديد الذى قالت عنه الحكومة إنه سيكون الحل الوحيد الأمثل لمشكلة حوادث الطرق فى مصر، بالإضافة إلى شركات المقاولات التى تنفذ الطرق فى مصر.
مثلث برمودا على طريق الصعيد يبتلع 60 قتيلا
غضب فى المنيا واتهامات للشركة المالكة بالإهمال وحكومة نظيف تكتفى بالأسف
الخميس، 18 ديسمبر 2008 06:25 م
أهالى الضحايا لا يملكون سوى البكاء على أرواح ذويهم - تصوير- أحمد أسماعيل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة