ثلاث مدارس كل منها رافد من روافد تخريج الدعاة أحدها متشدد والآخر يميل إلى الاعتدال والثالث مستأنس، التشابه الوحيد بين هذه المدارس هو صراعهم لإعداد دعاة الصوت العالى، الاختلاف بين الثلاثة لا يتوقف عند ما يستقيه من أفكار أو ما يدرسه من علوم ومذاهب وإنما الاختلاف يكون أيضا عند حدود التجاوز أو الخطوط الحمراء التى لا ينبغى تخطيها.
الأنواع الثلاثة من مدارس تخريج الدعاة تسير فى اتجاهات مختلفة على الرغم من أنها تركب قطارا واحدا، اثنان منهم رسمى والثالث غير رسمى، وبينهما حروب فى الأفكار وفى فرض النفوذ والسيطرة وساحتهم المساجد وعقول المصلين.
المدرسة الأولى الأخف وطأة هى مدرسة الدعاة المعتمدين وهم دعاة الأوقاف والذين يتم اختيارهم بناء على مسابقات وزارة الأوقاف ويتم تدريبهم من حين لآخر فى دورات تعقدها الوزارة، وعلى الرغم من ذلك فإن البعض يتهمهم بالسطحية وعدم امتلاكهم لعناصر الجذب، ويحرص أحدهم على وضع خطوط حمراء لنفسه لا يتجاوزها عملا بمبدأ «درء المفسدة مقدم على جلب النفع»، وزارة الأوقاف بدورها تسلم كلا منهم نموذجا أسبوعيا يحتوى على موضوعات يجب الالتزام بها بينما الذين يزعمون التمكن منهم تترك لهم حرية اختيار الموضوعات بشرط كتابة إقرار على أنفسهم بذلك فى دفاتر المساجد، وهذه المدرسة يصفها الشيخ شوقى عبد اللطيف وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة بأنها الأنسب لتوصيل الدين للناس، نافيا اتهامهم بالسطحية بأن الدين يسر ولا يحتمل التعقيد والتشدد اللذين ينتهجهما البعض.
المدرسة الثانية وهى تقع فى المنطقة الرمادية بين خطباء الأوقاف والمتشددين وهم خريجو معاهد إعداد الدعاة التابعين للجمعية الشرعية التى بحسب رأى الدكتور محمد مختار المهدى رئيس الجمعية- لم تضع منهجا شرعيا لإعداد الخطيب كالذى تقدمه الكليات الأزهرية إنما تم اختيار الكتب الميسرة التى تناسب ثقافة من يدخل هذه المعاهد. وأغلبهم أصحاب ثقافة مدنية.
الجمعية الشرعية تقبل الحاصلين على الثانوية العامة أو مايعادلها فما فوق سواء كان ثانوية أو ليسانسا أو ماجستيرا فى أى تخصص مدنى يدخل عندنا ليعرف دينه.
مدة الدراسة 4 سنوات يتناول فيها الطالب علوم الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والدعوة والخطابة وحاضر العالم الإسلامى والبدعة والسنة وثقافة الداعية والقرآن الكريم والتجويد. وبعد الانتهاء من سنوات الدراسة يحصل الطالب على شهادة تمكنه من إلقاء الدروس والخطب وقد أصبح عدد هذه المعاهد الآن 50 معهدا ولا يقل عدد الخريجين عن 1200 أو 2500 خريج سنويا.
وبسؤاله عن مدى تقييم صلاحية هؤلاء الخطباء من حين لآخر أكد مختار المهدى أن الجمعية لا تعطى تصريحا أبديا للداعية ولكن التصريح يكون سنويا ونراقب أداءه ونسجل أى انحرافات فكرية يتم رصدها، مضيفا «التجديد يكون للاستقلال والانحياز للنص الشرعى بعيدا عن الانحياز للسياسة إلا إذا تعارضت السياسة مع أمر دينى، فكرة التعصب المذهبى أو التحزب السياسى ترفضهما الجمعية الشرعية وتعتبرهما مفسدة لأخلاق».
المدرسة الأخيرة هى «السلفية» وهو مدرسة صورية ويصمها البعض بالتشدد وطريقة تكوين الخطباء والدعاة فيها معروف ومتكرر مع كل من تربوا على أفكارها فالبداية تكون بدراسة كتب ابن الجوزى وابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والذهبى، ويرون أنَّ هذه الكتب ينبغى ألا يخلو منها بيت طالب علم. أما أساتذتهم فهم عبد العزيز بن باز والعثيمين والألبانى وعبد الله بن قعود والشيخ عبد الله بن غديان والجبرين ومحمد المختار الشنقيط والشيخ عطية سالم وأبو بكر الجزائرى، وهؤلاء أغلبهم من السعودية، بينما من مصر فهناك الشيخ أسامة محمد عبد العظيم ورجائى المصرى والشيخ محمد صفوت نور الدين رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية وإسماعيل المقدم وأبو إسحاق الحوينى ومحمد حسان وأبو ذر القلمونى.
هذه المدرسة يعتبرها البعض امتدادا لنفوذ الفكر الوهابى فى مصر فخريجوها مصريو العقل وهابيو الهوى ينظرون إلى أن المشايخ السعوديين أكثر علما وتمسكا باتباع السلف الصالح، بينما يعتمد بعضهم على كتاب الخطب المنبرية للشيخ عبد الحميد كشك، لكن كثيرا منهم ما يكون القاسم المشترك بينهم هو الحصول على شهادة من كلية الدراسات الإسلامية أو كلية أصول الدين.
لمعلوماتك...
◄2280 هو عدد الناجحين فى مسابقة اختيار أئمة الأوقاف من أصل 18 ألف خريج.