"عيد" وريث عائلة الزبالين: أنا زبال ومخى «نضيف»

جمع القمامة يشعرنى بالفخر ودراسة الأدب الإنجليزى حلمى الأول

الخميس، 18 ديسمبر 2008 05:44 م
جمع القمامة يشعرنى بالفخر ودراسة الأدب الإنجليزى حلمى الأول عيد فخور بمهنتة
كتبت يمنى مختار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أن تكون زبالا فى مجتمع ينظر إلى مهنة جامع القمامة باعتبارها مهنة وضيعة تشين من يعمل بها، وأن تقطن عزبة الزبالين بمنشية ناصر وترث هذه المهنة عن والديك، وأن تنقسم أحلامك بين أوراق القمامة وأوراق الكتب، فأنت عيد كامل عطاالله، ستتحمل النظرات المسيئة وربما الازدراء، ساعيا نحو تحقيق حلمك بكل إصرار وإرادة، فالواقع لن يكون أقسى من أكوام القمامة التى يعيش وسطها.

نظرتنا إلى الزبال تنحصر فى صورة الشخص ذى الملابس المتسخة الذى يحمل قاذوراتنا دون التفكير فى أهمية العمل الذى يؤديه، والذى تتحول حياتنا من دونه إلى سلة مهملات كبيرة، تجلب إلينا الحشرات والأمراض.

عيد 27 سنة، مظهره لا يجعلك تتخيل أن الشخص الذى يجلس أمامك له أى علاقة بالقمامة أو بجمعها، فملابسه نظيفة ومهندمة، وطريقة كلامة وتفكيره لا تفرقه عن أى شاب فى مثل سنه، لكنه »زبال«، يعمل فى جمع القمامة منذ كان عمره خمس سنوات، كان يخرج مع أبيه وإخوته الأربعة فى الرابعة فجرا لجمع القمامة من منطقة شبرا، أما أخواته الثلاث فيعملن فى فرز القمامة، ومع دخوله المدرسة بدأ يعمل فى فترة الإجازة الصيفية، وأحيانا يحتاجه والده فيغيب عن المدرسة، فالمنطقة التى يجمع منها القمامة تتعدى الـ400 وحدة سكنية، يقول: «كنت أخجل وقتها من عملى فى هذه المهنة رغم أن المدرسة موجودة داخل الحى والمدرسون يعلمون أن والدى زبال و90 % من الطلبة يعملون هم وآباؤهم فى جمع القمامة»، لكن جاء التحاقه بالمرحلة الثانوية فى مدرسة بعيدا عن عزبة الزبالين بمثابة نجدة له: «أخفيت مهنتى عن الجميع حتى لا أقلل من قيمتى أمامهم وحتى لا أسمع كلمة تجرحنى».

ما يجعل عيد مستمرا فى هذه المهنة هو الاحترام الذى يستقبله به السكان الذين يجمع منهم القمامة، فهم يعرفونه منذ كان طفلا ويعتبرونه ابنا لهم، إضافة إلى العائد المادى المرتفع فمتوسط إيراده الشهرى يتخطى الألف جنيه، وهو ما جعله يرفض العمل مع الشركات الأجنبية التى تتولى نظافة القاهرة حين طلبت مساعدة الزبالين حيث عرضت عليهم مرتبات ضئيلة جدا لا تتجاوز الـ300 جنيه.

مع الوقت أصبح عيد لا يشعر بأى حرج، فالمنطقة التى يقطن بها يعمل معظم سكانها فى جمع القمامة إضافة إلى عدد كبير من أقاربه أما باقى أقاربه الذين يعملون فى مجالات أخرى فيفخرون بأن لهم أقارب فى حى الزبالين، لأن وضعهم المادى أفضل كثيرا من أقاربهم الذين يقيمون فى الصعيد.

بعد إتمامه المرحلة الثانوية، كانت هناك العديد من العقبات التى تقف أمام التحاقه بالجامعة حيث توفى أخوه، وعارض أهله فكرة أن يكمل دراسته الجامعية، مما اضطره إلى تنحية حلمه فى دراسة الأدب الإنجليزى جانبا، ولو لبعض الوقت، فعدم إكمال دراسته الجامعية لا يعنى حرمانه من التعليم، فسعى إلى تنمية مهاراته ولغته الإنجليزية، والتحق بدورات اللغة بكنيسة سمعان الخراز، وشجعه على الاستمرار بها رغبته فى التواصل مع زوار الدير من الأجانب.

من اللغة إلى مجال الكمبيوتر الذى جذبه بشدة بدأ عيد استكشاف عالمه قطعة قطعة من خلال فكه وتركيبه ومحاولة صيانته، بمساعدة صديقه الذى يمتلك مكتب كمبيوتر، حتى اكتسب بالممارسة خبرة مكنته من فتح محل لصيانة أجهزة الكمبيوتر فى حى الزبالين: «يندهش الكثيرون ويتساءلون كيف أقوم بصيانة أجهزة الكمبيوتر بينما لم أحصل على أى دورات فى هذا المجال»، لكن بعد اختلافه مع صاحب المحل أغلق هذا المشروع واكتفى بصيانة الأجهزة فى منزله.

»مبحبش الحال المايل«، هذا الشعور هو الذى يجعل عيد لا يركن أبدا إلى السلبية واللامبالاة التى يعانى منها أكثر الشباب: «مقدرش أشوف ناس بتنظف الشارع من غير ما أشارك معاهم« لذلك كانت مشاركته فى العديد من الجمعيات الأهلية واستغلال طاقته فى العديد من المشاريع الخدمية. فبدلا من الجلوس على القهوة، قرر أن يشارك فى مشروع فصل القمامة من المنبع الذى طبق لمدة عام ونصف فى منطقة الزاوية الحمراء، والذى يعتمد على توعية الناس بضرورة فصل بقايا الطعام التى تتحول إلى أسمدة بعيدا عن العناصر الثقيلة، الأمر الذى يقى من الإصابة بالعديد من الأمراض السرطانية والكبد الوبائى الذى تسببه العناصر الثقيلة التى تحملها الأسمدة.

«شباب منشية ناصر one hand group» مشروع آخر اشترك فيه «عيد»، وهو يهتم بتنظيف الشوارع العمومية لحى منشية ناصر، حيث يوفر الحى الأدوات ويعمل الشباب على تنظيف الشوارع دون مقابل. عيد يتمنى تطبيق مثل هذا المشروع على عزبة الزبالين، إلا أن الأمر يبدو شبه مستحيل، لأن الزبالين ينظرون إلى هذه الفكرة باعتبار أنها يمكن أن تقلل من دخلهم حيث تمثل لهم كل قطعة من القمامة أهمية كبيرة.

بعد أكثر من 10 سنوات فى العمل العام ، أصبح «عيد» ضيفاً على الكثير من الندوات التى تقدم تجربته فى الحياة حيث كان فخورا بأن يقدم نفسه من خلالها باعتباره أحد شباب عزبة الزبالين ويعمل مع والده فى جمع القمامة دون أن يشعر بأدنى خجل من مهنته.

لمعلوماتك..
10 سنوات قضاها عيد فى جمع القمامة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة