بمجرد الانتهاء من صلاة الجمعة بمسجد السلطان أبوالعلا، يهجم المصلون على الحاجة كوثر، لالتهام «نفحة السلطان»، التى هى طبق من الفول النابت، لا يمكن مقاومة رائحته ولا طعمه، ولا سعره الذى هو «ببلاش». منذ 20 عاما والحاجة كوثر التى يطلقون عليها هناك «أم رضا»، تستيقظ فى السابعة من صباح كل يوم جمعة، لتبدأ فى إعداد نفحة السلطان، وتستمر فى إعدادها حتى الانتهاء من صلاة الجمعة، بينما تخطف رائحة النفحة النفاذة المصلين من تركيزهم مع الخطبة.
الحاجة كوثر بنت بلد فى السبعين من عمرها، تقول: «أنا مش ببيع، أنا بعملها كده نفحة للسلطان، كل يوم جمعة أجمّع تمن الفول من الحبايب واشتريه وأسويه وأطبخه وأطلعه للغلابة، وحتى الناس اللى بعربيات بيقفوا ياكلوا، أصله بركة وشفا وأنا بعمله بمزاج ونفس». طوال الحديث مع الحاجة كوثر، وهى لا تتوقف عن حرق لفافات السجائر، وعندما سألتها: «مش خايفة على صحتك يا حاجة»،، ضحكت طويلا ثم ردت: «لا.. أصل أنا متعودة، لأنى كنت شغالة مع أبويا قبل ما أتجوز فى قهوته بالسلطان أبوالعلا ورا الجامع مكان وزارة الخارجية زمااان، والحتة دى أشارت إلى الرصيف أمام الجامع كان بيمشى فيها الترماى وكنا بنيجى نتشعلق فيه ونلعب هنا، وندق غطيان الكازوزة على قضبان التروللى ونعملها عجل، كانت أيام حلوة ماتتعوضش».
سألتها: «اشتغلتى صبى قهوجى.. يعنى مكانش عيب وقتها؟»، فأوضحت: «أبداً ولا عيب ولا حاجة.. ده أكل عيشنا وبنشتغل مع أبونا، وبعدين أنا بولاقية والناس زمان كانت جدعة وبتختشى، و ماحدش يستجرى يتكلم علينا، وكمان لأن أبويا معندوش عيال صبيان.. وأنا وأختى كنا صبيانه».
تنهيدة عميقة خرجت من صدر أم رضا، قبل أن تكمل حديثها: «لما بدأوا يأسسوا مبنى وزارة الخارجية، وشالوا بيوتنا وقهوتنا من ميدان السلطان، يومها كأنه كان يوم موتنا كلنا.. الكلام ده حصل من 60 سنة ولسه فاكراه وكأنه النهارده، أصل أنا اتولدت واتربيت هنا». ذكريات كثيرة تحملها للمكان، فهى تتذكر مثلا ذلك الفسخانى الشهير الذى كان يجاور القهوة، ويلبس طرطورا فى شم النسيم، منهمكا فى وصلة رقص لا تنتهى إلا مع نهاية اليوم، بينما أولاده وأحفاده أصبحوا الآن من أكبر تجار السمك فى مصر، ورغم ذلك مازالوا يزورونها لأكل النفحة، وعندما يتعذر عليها الحصول على ثمن الفول تلجأ اليهم .
الحاجة كوثر تضيف: «ولما بتعذر فى تمن علاج جوزى بيدونى بـالـ300 والـ400 جنيه، وأنا ساكنة دلوقتى فى أوضه بـ70 جنيه فوق سطح عمارة، وكل 5 أيام بحتاج 90 جنيه علشان أجيب بخاخة صدر لجوزى اللى معاشه 340 جنيه بس، وأهه كل ما بتخنق من الظروف بادخل جوه الجامع واروح عند مقام السلطان وادعى.. أصله شيخ مبروك وسره باتع .. ولازم كل جمعة أعمله .. النفحة».